Search
Close this search box.

هل أخطأت الحكومة العراقية في استقبال وزير الخارجية السوري؟

هل أخطأت الحكومة العراقية في استقبال وزير الخارجية السوري؟
من الواضح الآن، ومن خلال متابعة التطورات، أن جميع الساسة الشيعة في العراق باتوا في مهب الريح، ولم يعد حصولهم على المناصب كما كان في السابق....

الملخّص

عقد في الأيام الماضية أول اجتماع ثنائي رسمي بين العراق وسوريا في بلدنا بعد تشكيل الحكومة الجديدة في الدولة المجاورة. وفي هذا اللقاء التقى رئيس الوزراء العراقي مع وزير الخارجية السوري. تحاول هذه المقالة التحقيق في هذا الحدث من وجهة نظر المؤلف.

الخطوة الأولی

اتخذت الحكومة العراقية الخطوة الأولى بعد وصول الجولاني إلى دمشق ومنحه لنفسه صفة “محرر” هذا البلد، وذلك من خلال زيارة رئيس جهاز المخابرات العراقي، حميد الشطري. وقد أثارت هذه الزيارة ردود فعل شعبية رافضة، خاصةً أن أعلى جهاز أمني في العراق، الذي يمتلك معلومات دقيقة ومفصلة عن كل شخصية في النظام السوري الجديد، يعلم جيدًا أن الغالبية العظمى من هؤلاء – إن لم يكن جميعهم – كانوا مشتركين في العمليات الإرهابية، بدءًا من تنظيم القاعدة وصولًا إلى تنظيم “داعش” (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام).

جاءت ردود الفعل الغاضبة التي عبّر عنها الشعب العراقي واضحة، سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال بعض القنوات الإعلامية. وكانت هذه الزيارة بمثابة البداية، خاصةً مع اقتراب انعقاد القمة العربية في بغداد. فكيف يمكن التعامل مع حكومة ذات توجه أموي بامتياز في ظل الشحن الطائفي والعقائدي، وما حلّ بالشعب العراقي من ويلات بسبب تنظيم إرهابي لم يشهد له التاريخ مثيلًا سوى في حقبة أجداد قادة سوريا الحاليين؟

لقد بدأت التهيئة لاستقبال الجولاني وحضوره القمة العربية من خلال زيارة وزير خارجية سوريا. ولا شك أن هذه الزيارة كانت صدمة قوية للشارع العراقي، خصوصًا للشيعة، في وقتٍ تُنتهك فيه الحرمات وتُراق الدماء في سوريا، بغضّ النظر عن الانتماءات، ولكن بغالبية من الشيعة والعلويين في منطقة الساحل، ذات الأغلبية من هذه الطوائف. وانتشرت مقاطع فيديو مروّعة، لا يمكن لأي إنسان يتحلى بالإنسانية تقبّلها، وسط صمت مطبق من قبل الأزهر، والزيتونة، ورابطة علماء المسلمين، واتحاد علماء المسلمين، وحتى دار الإفتاء العراقية، وكأن الأمر لا علاقة له بالإنسان وكرامته!

كان استقبال وزير خارجية سوريا، أولًا من قبل وزير خارجية العراق، ثم بلقاء رئيس مجلس الوزراء العراقي به، صفعة على وجه ذوي الضحايا واستهانة بدماء الشهداء الذين سقطوا بفعل هؤلاء أنفسهم. فقد كانت خطوة غبية ستؤثر مستقبلًا حتى على مكانة الساسة العراقيين ومدى تقبّل الشارع العراقي الشيعي لهم. والأسوأ من ذلك، أن اللقاء تمخّض عن قرارات تدمي القلب، منها إنشاء غرفة عمليات لمحاربة الفكر المتطرف و”داعش”! فكيف يمكن لحكومة – وإن غيّرت مسمّياتها – وُلدت من رحم داعش أن تحارب التنظيم ذاته؟ منذ متى يحارب الداعشي داعشيًا آخر؟

أما القرار الآخر، فهو تقديم دعم شامل لسوريا، ماديًا وغيره، من أجل إعادة بنائها. ولكن، أليس العراق والعراقيون أولى بهذه الأموال، في ظل استمرار معاناة مدن وسط وجنوب العراق، التي لا تزال الكثير منها تعيش أوضاعًا أشبه بما تعيشه الدول الفقيرة في إفريقيا؟

القضية برمتها خرجت عن المألوف. فلم يكن الأمر طبيعيًا كما هو الحال عند تغيّر الأنظمة السياسية في الدول، بل إن النظام السوري الحالي نظام إجرامي إرهابي بامتياز، ألحق بالعراق ضررًا كبيرًا. وكان من الأولى على الحكومة العراقية – على أقل تقدير – أن تلتزم الحياد، بدلًا من الاستخفاف بدماء العراقيين وكرامتهم، خاصةً أن الجولاني هو صنيعة أمريكية-إسرائيلية بامتياز. ولعل الدليل على ذلك هو تصريح باقر جبر صولاغ، وزير الداخلية العراقي الأسبق، الذي شرح في لقاء أخير كيف تم إلقاء القبض على الجولاني في محافظة ديالى، وكيف أن الأمريكيين نقلوه إلى سجن بوكا، وأكدوا أنهم سيحتفظون به لأغراض خاصة.

الجولاني…

من هنا، يتضح أن الجولاني لم يكن مجرد شخصية ظهرت بالصدفة لتقود سوريا. واللافت للنظر أن هناك قضية لم تحظَ بالتركيز الإعلامي الكافي، وهي كيف غادر العراق؟ فبعض المصادر تؤكد أنه تم تهريبه من سجن أبو غريب بعد اقتحامه عام 2013. العملية برمتها تدخل في إطار إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط، أو ما يُعرف بمشروع “سحق الهلال الشيعي”، كما يسميه بعض الحكام العرب.

الطبقة الواعية والعقائدية قادرة على ربط الأحداث واستنتاج الحقائق، لكن تحقيق الانتصار على هذه المخططات يحتاج إلى عقلية سياسية واعية، تمتلك عقيدة ثابتة لمواجهة هذه المؤامرات. لقد ارتكب الساسة الشيعة في العراق أخطاءً جسيمة منذ سقوط نظام البعث الصدامي، حيث قبلوا بمبدأ المحاصصة بدلًا من تطبيق نظام ديمقراطي حقيقي يقوم على حكم الأغلبية مع ضمان حقوق المواطنة لجميع العراقيين. كما أصبحوا أكثر تشرذمًا، رغم انتمائهم إلى طيف واحد ورؤيتهم الإسلامية، بينما نادرًا ما نجد أحزابًا شيعية ذات توجهات علمانية أو غيرها.

إن المصيبة الحقيقية التي تعانيها الأمة الشيعية تكمن في أحزابها وقادتها الذين يدّعون التوجه الإسلامي، مما أدى إلى انتشار الانحرافات بسبب خلافاتهم. فالفرد العراقي البسيط كان يرى كل شخص وحزب إسلامي على أنه يمثّل الإسلام ذاته. وما حصل مؤخرًا يُعدّ انتكاسة كبيرة، أحدثت إحباطًا لدى الغالبية، حيث بات المشهد غريبًا: رئيس وزراء شيعي يصافح وزير خارجية أموي، وهما نقيضان لا يجتمعان، بينما دماء الشيعة لا تزال تملأ كل شبر من أرض العراق!

الخاتمة

من الواضح الآن، ومن خلال متابعة التطورات، أن جميع الساسة الشيعة في العراق باتوا في مهب الريح، ولم يعد حصولهم على المناصب كما كان في السابق. أما موقف العراق من قادة سوريا، وإن كان مفروضًا عليه من قبل دول أخرى، فقد كان ينبغي على العراق ألّا يغامر بالانفتاح بهذه الطريقة، خاصةً أن المشهد السوري غير مستقر وقابل للتغيير في أي لحظة. وإن كان لابد من موقف، فكان الحياد أولى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *