Search
Close this search box.

الشهيد الخامس و قتلتُه: تقرير بمناسبة اعتقال المجرمين

الشهيد الخامس و قتلتُه: تقرير بمناسبة اعتقال المجرمين
كانت الروح النبيلة للسيد محمد باقر الحكيم كذلك أنه لم يكن يعطي أهمية للعلاقات الأسرية، بل انضم شخصياً إلى جماعة العلماء في النجف الأشرف...

النبذة

في تاريخ 1 فبراير 2025م، تم اعتقال خمسة من أفراد حزب البعث الذين كان لهم دور مباشر في استشهاد السيد محمد باقر الصدر. وقد اعترف هؤلاء الأفراد بتنفيذ جريمة اغتيال الشهيد الصدر وشقيقته بنت الهدى الصدر، وتحدثوا لاحقًا عن مقتل المئات من الآخرين.

 

نبذة عن الولادة والحياة للشهيد الخامس

وُلد السيد محمد باقر الصدر في عام 1934م في الكاظمية ببغداد. كان والده السيد حيدر الموسوي الصدر من العلماء المعروفين في العراق. وقد كانت عائلته مشهورة علمياً واجتماعياً بين الشيعة، إذ كان جده، السيد صالح الموسوي الجبل‌عاملي، من كبار العلماء وأصحاب الفتاوى في شمال غرب الدولة العثمانية، وتم نفيه من قبل الحكومة العثمانية إلى العراق حيث نشأت عائلة الصدر فيه.

كان السيد محمد باقر الصدر من الطلاب المتميزين للسيد أبو القاسم الخوئي، المرجع الأعلی في العراق، وأظهر منذ شبابه قدراته في العلوم الدينية وغير الدينية. كان يعتبر علاقته مع آية الله الخوئي كعلاقة «أب وابن».

 

السيد محمد باقر الصدر: الفقيه المثقف

تُعتبر دائمًا وجهتا نظر “التفکير التحرري” و”التفكير الفقهي” من الاختلافات الجوهرية خلال التاريخ المعاصر. كان بعض المثقفين يرون أن الفكر الفقهي هو نوع من التخدير وعاملاً من عوامل التأخر، بينما اعتبر الفكر التحرري في النظر الفقهي بابًا نحو الفوضى والدخول في مسار مظلم وغير مسبوق.

تعززت هذه المسألة مع دخول الفكر الشيوعي بأفكاره إلى حقل التفكير الحديث في غرب آسيا. حيث واجه المثقفون الشيوعيون الفكر الفقهي معارضة، لأنهم اعتبروه تصنيفًا للمعرفة ومعاديًا للطبقات الشعبية، بينما حصل الفكر الشيوعي على قبولٍ لدى العامة بسبب ابتدائه لأعمال تخريبية ضد الحكومات القائمة في الشرق الأوسط.

في هذا السياق، استطاع عدد قليل من الفقهاء المثقفين كسر الإطارات الصعبة والجدران القديمة السائدة على نطاق الفقه، متجهين نحو المواضيع الحديثة. لذا، قاموا بدراسة موضوعاتهم وفقًا للمعايير الجديدة مع مراعاة مبادئ الفقه وإيمانهم بشارعية الله العليّ الأعلی.

كما أن هؤلاء الفقهاء، رغم قلة عددهم، تمكنوا من تقديم المحتويات الفقهية الشيعية بِلغة جديدة بدلاً من استخدام الأدبيات القديمة والتقليدية. فبلا شك، كان الشهيد آية الله السيد محمد باقر الصدر هو النجم اللامع في سماء الفقه المثقف.

فهو من جهة قد حافظ على ركائز الفكر الفقهي و من جهة أخری أصبح من المطالبين الرئيسيين بالتغيير من الحكومات القائمة في الشرق الأوسط، و کشَف الغطاء عن أفكاره الثورية.

 

المؤلفات القيمة

إن آثار الشهيد محمد باقر الصدر تتجاوز مجرد الدلالة على علميته أو إثبات اجتهاده. كما هو مُعتاد، تُعتبر الكتب الأولى التي يؤلفها أو يقرؤها الفقيه بمثابة دليل على علمه أو أعلميته، لكن مؤلفات السيد محمد باقر الصدر، مثل: “فقه البنوك”، “فلسفتنا”، “اقتصادنا”، و”دروس في علم الأصول” أو ما تسمي بـ” حلقات”، تتجاوز هذه المعايير. لقد جمع السيد محمد باقر الصدر نتائج أفكاره ونظرياته في مواضيع مختلفة وطرحها بوضوح. من بين أعماله في المواضيع الحديثة: “الإسلام يقود الحياة”، “اقتصادنا”، “فقه البنوك”، “الإنسان المعاصر والمشكلة الاجتماعية”، وفي موضوع الفقه وأصول الفقه: “بحوث في شرح عروة الوثقى”، “غاية الفكر في علم الأصول”، “الحاشية على مناسك الحج للخوئي”، وآثار تاريخية مثل: “فدك في التاريخ”، “دور الأئمة في الحياة الإسلامية”، و”بحث حول المهدي”، وغيرها من المؤلفات المتنوعة.

النقطة المهمة هنا هي أن جزءًا كبيرًا من أعمال السيد الصدر الفقهية و مرتبطة بأصول الفقه قد كُتبت بروح ترتكز على إنشاء لغة مشتركة. بحيث أن أي شخص غير فقيه عند قراءة كتاب “الحلقات في أصول الفقه” سيلاحظ أن السيد الصدر قد أسس علم أصول الفقه على أسس منطقية، بهدف تعليم التركيب العميق لأصول الفقه. هذه الخطوة تبدو وكأنها تهدف إلى معالجة إحدی الاعتراضات الهامة للمثقفين الشيوعيين حول تصنيف العلم في الفكر الفقهي. وقد وضع أسس علم أصول الفقه بلغة واضحة وسهلة ومؤصلة.

 

السيد الصدر والسياسة

كما أشرنا، كان للسيد محمد باقر الصدر دورٌ بالغ الأهمية في الساحة السياسية في العراق. كان عضواً في جماعة العلماء في النجف الأشرف، وکان يقود الطلبة و المجتهدين الشباب في هذا العمل الفقهي-السياسي، وشارك في تأسيس حزب الدعوة الإسلامية في العراق. لكن الأهم من ذلك، كان موقفه من تحريم انضمام المسلمين لحزب البعث العراقي، وهو موقف أدى إلى اعتقاله وتعذيبه وإعدام هو وشقيقته بنت الهدى الصدر.

 

استشهاد مؤلم

اعتُقل السيد محمد باقر الصدر في أبريل 1980م من قِبل حزب البعث العراقي، وسُجن مع شقيقته بعد تسعة أشهر من الإقامة الجبرية. خلال فترة التعذيب، طُلب منه القيام بثلاث خطوات لإنقاذ حياته: أولاً. سحب فتوى تحريم انضمام المسلمين إلى حزب البعث؛ ثانيًا. التراجع عن دعمه للثورة الإسلامية في إيران؛ وثالثًا. حل حزب الدعوة الإسلامية وإعلان حرمة الانضمام إليه.

لكن السيد محمد باقر الصدر رفض هذه الاقتراحات، واستُشهد هو وشقيقته على يد أذرع حزب البعث.

 

اعتقال قتلة الشهيد الخامس

في الساعات الأخيرة من 31 يناير 2025، أعلنت الوكالة الرسمية العراقية (واع) في خبر تفصيلي عن اعتقال المتهمين الرئيسيين في اغتيال الشهيد السيد محمد باقر الصدر، واعترافاتهم، جاء في الخبر:

” وقال المتحدث باسم جهاز الأمن الوطني أرشد الحاكم في كلمة له حول تفاصيل عملية القبض على زمرة إجرامية من أزلام النظام البائد- تلقتها وكالة الأنباء العراقية (واع): “ألقينا القبض على 5 من أعتى المجرمين من أتباع النظام البائد وقتلة الشهيد الصدر وشقيقته وآلاف العراقيين”، لافتا إلى، أن “عملية إلقاء القبض تمت وفقًا لأحكام قانون حظر حزب البعث المنحل وبتنسيق عالي المستوى مع جميع الجهات ذات العلاقة والمؤسسة القضائية”.

وأضاف، أن “المتهم الأول سعدون صبري جميل القيسي رتبته لواء واعترف صراحة بتنفيذ الإعدام بسلاحه الشخصي بحق السيد الشهيد محمد باقر الصدر وشقيقته وتنفيذ الإعدامات الجماعية للمعارضين بتهمة الانتماء إلى حزب الدعوة الإسلامية وأيضاً إعدام 8 مواطنين ودفنهم في مقابر جماعية في الفلوجة وجسر ديالى وإعدام 2 من شباب السادة آل الحكيم وقتل معارض من أهوار الناصرية”.

وأشار إلى، أن “المتهم هيثم عبد العزيز فائق رتبته عميد ومن جرائمه الإشراف على عملية إعدام السيد الشهيد محمد باقر الصدر وشقيقته وتنفيذ الإعدام بحق مجموعة من أعضاء حزب الدعوة الإسلامية”.

وتابع، أن “المتهم خير الله حمادي رتبته لواء ومن أبرز جرائمه قيادة حملات اعتقال وتعذيب بحق أبناء قضاء بلد بذريعة الانتماء السياسي والمشاركة في عمليات إعدامهم ودفنهم والإشراف على قمع المواطنين الأكراد الفيليين في بغداد وإصدار وتنفيذ قرارات بالتهجير القسري لعوائل المعارضين في بلد إلى “نقرة السلمان” التورط في جرائم قطع الأيدي في كركوك وتنفيذ العديد من الاعتقالات والإعدامات بحق المعارضين في بغداد”.

وأكمل، أن “المتهم شاكر طه يحيى رتبته لواء ومن أبرز جرائمه المشاركة في إعدامات معتقلين أكراد عام 1984 في بغداد ومنع إقامة مجالس العزاء على خلفية اغتيال السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر والمشاركة في قتل المواطن المعارض سليمان برينجي”.

ولفت إلى، أن “المتهم نعمة محمد سهيل صالح رتبته لواء ومن أبرز الجرائم قيادة حملات اعتقال وتعذيب استهدفت أكثر من 40 طالبًا جامعيًا من جامعة سليمانية وجامعات أخرى والملاحقة المستمرة لأعضاء الأحزاب الإسلامية”.”

النقطة الهامة

النقطة المهمة هنا هي أن حزب البعث الإجرامي لم يكن يميز بين معارضيه، سواء كانوا من آل الصدر أو من آل الحكيم. كما استُشهد السيد محمد باقر الصدر وشقيقته وابن عمه السيد محمد، على يد هؤلاء الأشخاص، رأينا أيضًا أن شابَّين من آل الحكيم تم اغتيالهما على يد نفس المجموعة.

كانت الروح النبيلة للسيد محمد باقر الحكيم كذلك أنه لم يكن يعطي أهمية للعلاقات الأسرية، بل انضم شخصياً إلى جماعة العلماء في النجف الأشرف، رغم أن مؤسسها کان السيد محسن الحكيم، وعندما بدأ التدريس، كان أفضل طلابه هو السيد محمد باقر الحكيم. رحم الله هذا الشهيد السعيد ورضي عنه…

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *