إنَّ الكيان الصهيوني الذي أقام دولته المزعومة في أرض فلسطين واستوطنها وقتل أهلها وهجرهم، ومنذ ذلك الحين وإلى يومنا هذا، دخل هذا الكيان في حروبٍ عديدة، وذلك لتثبيت كيانه، فإنَّ هذا الكيان قد أقام على بحرٍ من الدماء، الدماء الشريفة والطاهرة التي دافعت عن أرض فلسطين بالضد من هذا الكيان.
وعلى الجدير بالإشارة، إنَّ هذا الكيان قد تلقى الدعم من الدول الغربية، فإنَّ أوروبا قد فتحت مخازن عتادها لهم، فضلًا عن جعل جيوشهم في خدمة هذا الكيان الغاشم، ولم تبال بالإنسانية وبالدماء التي أراقها هذا الكيان؛ لأنَّ هدفهم الأوحد هو تثبيت هذا الكيان وتقويته، وجعل جميع الدول من حوله ضعيفة، إما بالحرب على هذه الدول، أو شراء ذمم حكامها وإضعاف قدراتهم العسكرية.
ولكن هنا لابد من الإشارة إلى نقطة في غاية الأهمية، هل أنَّ سكان هذا الكيان يشعرون بالأمان؟ فإذا أردنا أنْ نعرّف تعريف الوطن: فهو المكان الذي يشعر الإنسان به بالانتماء والأمان والهوية. فهل سكان هذا الكيان يشعرون فعلًا بالانتماء إلى هذه الأرض، وهل يشعرون بالأمان فيه؟ وهل توجد لديهم هوية تاريخية وحضارية في هذا المكان؟ هذه التساؤلات من الضروري طرحها؛ لأنَّ سكان هذا الكيان من بلدان مختلفة، أي أنَّهم ليسوا من هذه الأرض، على الرغم من وجود حقيقة تاريخية أنَّ اليهود قد عاشوا في إحدى حقب التاريخ في أرض فلسطين، ولكن هذا لا يعني أنَّ هذه الأرض هي ملك لهم. إنَّ سكان هذا الكيان لا يشعرون أبدًا بأي نوع من أنواع الانتماء والأمان، على الرغم من وجود بنى تحتية لهذا الكيان، وأيضًا بوجود الدعم المتواصل للغرب له، ولكن هذه الأرض يوجد من ينادي بها (أي أهلها/ الشعب الفلسطيني)، وما دام لهذه الأرض صاحب، فلم ينعم سكان هذا الكيان بالأمان.
إنَّ ما حدث بعد السابع من أكتوبر من العام ألفين وثلاثة وعشرين، هذا التاريخ هو بمثابة البداية النهاية لهذا الكيان الغاشم، ولأسبابٍ عدة، منها: أولًا: أنَّ الكيان الصهيوني قد فتح جبهات عدة خلال هذه السيرورة الزمانية، ثانيًا: تأثر الجانب الاقتصادي لهذا الكيان، ثالثًا: أنَّ سكان هذا الكيان فقدوا تمامًا الشعور بالأمان بعد هذه السلسلة الطويلة من الحروب.
إنَّ هذا الحدث يوجد به تأويلات، منها: أنَّ صناع القرار في هذا الكيان، كانوا على علم بهذا المخطط، أو أنَّهم مرروه عن طريق عملائهم إلى فصائل المقاومة للقيام به، وذلك لأجل خلق ذريعة لها لضرب قطاع غزة، والقضاء على فصائل المقاومة فيه، فضلًا عن تصفية جميع أعدائها. على الرغم أنَّ هذا التأويل قد يكون صائبًا أم لا، فلا بأس بمناقشته، إذا كان فعلًا الكيان الصهيوني على علم بهذا المخطط، وسمحوا بقيامه من أجل خلق ذريعة لضرب فصائل المقاومة والقضاء على أعدائها، فهنا أنَّهم قد وقعوا بأيديهم على ورقة انهيار كيانهم الغاشم؛ لأنَّ هذا الكيان ليس له حضارة، وهنا نؤكد على مفهوم الحضارة هو قيام دولة، وأنَّ هذه الدولة تكون لها تأثير واضح على الإنسان، وهذا ما لم يحدث أبدًا معهم، لذلك لو نظرنا لهذه القضية بعين المفكر الإنكليزي توينبي صاحب نظرية التحدي والاستجابة: أنَّ الأمم حين تتعرض للمخاطر الكبرى ويكون توازن القوى في غير مصلحتها، تعود إلى مخزونها وإلى إرثها الحضاري في محاولة لاستنهاض قدرتها على مواجهة التحدي. وعلينا هنا أنْ نتساءل، أين المخزون الحضاري لهذا الكيان؟ وإذا نريد أنْ نرجع لسرديات التاريخ، فعلينا أنْ نستذكر السبي البابلي، وكيف أنَّ الحضارة البابلية هزمتهم، وتم سبيهم!! أو قصتهم مع نبي الله موسى (ع) عندما تركهم لبعض الوقت كيف أنَّهم انقلبوا مدبرين عن عبادة الله تعالى!! أو حصن خيبر، كيف أنَّ الرسول الأعظم (ص) سلم راية الحرب لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وقد قتل أبرز فرسانهم وهو مرحب المعروف ببطشه، أو عندما اقتلع باب خيبر، وجعله متراس لجيش المسلمين لاقتحام الحصن!! كل هذه الدلائل تؤكد على أنَّ هذا الكيان لا يوجد لديه مخزون حضاري يدافع به عندما يقع في المآزق.
إنَّ فتح الكيان الصهيوني العديد من الجبهات هو بداية انهيارهم، وهو المسمار الذي دقوه بأنفسهم في نعشهم، ولاسيما أنَّ هذه الجبهات قد دمرت هذا الكيان بالفعل، مثل حربها المستمرة الآن مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ذلك لأنَّ القدرات الصاروخية للجمهورية الإسلامية لا يستطيع هذا الكيان على إيقافه، فضلًا عن الهجمات الصاروخية الذي يتلقاها هذا الكيان من قبل الحوثيين من اليمن، وغيرها من الضربات التي قد تلقوها سابقًا من حزب الله في لبنان، كل هذه الضربات أثرت على الداخل الصهيوني، إذ أشعرت سكان هذا الكيان بعدم الأمان، ومحاولتهم الفرار من هذه الأرض، وكلما يستمر هذا الكيان يومًا بعد يوم في إشعال وقود الحروب، كلما يسرع نحو نهايته.