كان بيان مجلس الأمن الدولي بشأن الأحداث في سوريا خطوة إيجابية، إذ يعكس إجماعًا داخل المنظمة الدولية على إدانة الجرائم التي ارتكبتها الجماعات التكفيرية، خصوصًا في الساحل السوري وبعض المدن الأخرى، حيث استُهدفت الطائفة العلوية والشيعة.
ورغم أهمية الفقرات التي تضمنها البيان لمعالجة الموقف الخطير، إلا أن هناك ملاحظات جوهرية ينبغي التطرق إليها، إذ لا يمكن أن تحقق البيانات والتوصيات أي جدوى حقيقية ما لم تكن هناك إرادة جادة لتطبيقها :
1- ازدواجية المعايير في تنفيذ القرارات الدولية، فهناك إشكالية تتعلق بتركيبة مجلس الأمن وآلية تنفيذ قراراته.
فعلى سبيل المثال، عندما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية قرارها بإدانة الكيان الصهيوني وصدرت مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه بتهم الإبادة الجماعية وارتكاب جرائم حرب في غزة، سارعت الولايات المتحدة إلى شجب القرار بل وهددت بفرض عقوبات على المحكمة.
إذا كان هذا هو واقع التعامل مع القرارات الدولية، فما الذي يضمن عدم تعطيل أي إجراءات لمواجهة الجرائم في سوريا من قبل إحدى الدول الكبرى التي قد تعارض تنفيذها؟
2- المذابح التكفيرية والتغيير الديموغرافي في سوريا مشروع مستمر، ولم تكن المجازر التي ارتكبتها الفصائل التكفيرية وليدة اللحظة، بل بدأت منذ عام 2011، وبلغت ذروتها بعد إعلان سقوط نظام بشار الأسد.
هذه الجرائم لم تكن مجرد عمليات ملاحقة لرموز النظام السابق، بل كانت حملات تصفية طائفية ممنهجة ضد العلويين والشيعة، حيث تم استهدافهم على أساس مذهبي بحت، باعتبارهم كفارًا يجب إبادتهم وفقًا لعقيدة الجناة.
3- ما يثير القلق هو أن هذه الجرائم كانت تُرتكب في الخفاء بعيدًا عن الإعلام، ومع مرور الوقت بدأ القتلة بالسماح بتوثيقها ونشرها لترهيب خصومهم ونشر الرعب، وهو أسلوب معروف لدى تنظيمي القاعدة وداعش.
البيان الأممي جاء ردًّا على الصور المروعة التي انتشرت، لكن يبقى السؤال: ماذا عن المذابح التي لم تُوثق؟ وما دامت هذه الفصائل قد انكشفت، فمن المتوقع أن تعود إلى تنفيذ مجازرها سرًّا بعيدًا عن التصوير والنشر، مما يعني أن عمليات الإبادة والتغيير الديموغرافي قد تستمر دون رقيب دولي.
4- جذور المشكلة: السلوك السادي والعقيدة المتطرفة، اذ ينبغي على المجتمع الدولي أن يدرك أن الذبح والتعذيب والتلذذ بإراقة الدماء ليست مجرد أفعال عشوائية، بل هي سلوكيات مغروسة في العقيدة المتطرفة التي تتبناها الفصائل التي تحكم سوريا اليوم.
هذه العقيدة لا يمكن انتزاعها بسهولة من عقول من تشربوها، فالشخص الذي اعتاد على القتل والتنكيل واغتصاب النساء ونهب الممتلكات لن يتحول فجأة إلى إنسان مسالم محب للعمران والتنمية.
هذا الخلل العميق يجب أن يكون في صلب اهتمامات الأمم المتحدة، إذ لا يكفي إصدار قرارات وإدانة الجرائم دون معالجة الفكر المتطرف الذي يغذي هذه الممارسات.
4- قراءة المشهد السوري بعمق :
لا بد للأمم المتحدة من تحليل المشهد السوري بدقة، إذ كيف يمكن تفسير أن قوات الكيان الصهيوني تجتاح جنوب سوريا، متقدمة عبر القنيطرة والسويداء ودرعا، وتقترب من دمشق دون مقاومة، في حين أن الجيش السوري يذهب غربًا لمهاجمة لبنان؟ هذه المفارقة تكشف عن خلل في الأولويات والاستراتيجيات العسكرية، او سر سينكشف لاحقا، وتثير تساؤلات حول الجهات التي تستفيد من استمرار الفوضى والتشرذم في سوريا.
خلاصة القول هي ان تنفيذ القرارات هو المطلوب وليس الاكتفاء بالبيانات.
إن تفشي عقيدة التكفير والسلوك الدموي في سوريا لا يهدد البلاد وحدها، بل يشكل خطرًا على شعوب المنطقة بأكملها.
وإذا كانت إدارة أحمد الشرع الانتقالية جادة في التصدي لجرائم الإبادة الجماعية والانتهاكات، فعليها أن تثبت ذلك عبر إجراءات عملية ملموسة، تبدأ على الأقل بتنفيذ بنود البيان الأممي الذي نُشر في وسائل الإعلام.
أما الاكتفاء بالتصريحات الدبلوماسية دون خطوات فعلية، فلن يكون أكثر من تكرار للتجارب الفاشلة السابقة التي سمحت بتمدد الفوضى واستمرار الجرائم وافلات الجناة من العقاب.