Search
Close this search box.

عشائر العراق، هذه المرة من منظور التهديد!

عشائر العراق، هذه المرة من منظور التهديد!
إن وجود أسلحة غير قانونية في حوزة العشائر، الذي ازداد بعد انهيار نظام صدام وبدء الفوضى في العراق، سيظل دائمًا تهديدًا مستمرًا للحكومة العراقية...

الملخص

يشكل حوالي 50% من المجتمع العراقي على أصول عشائرية. الانتماء إلى العشائر بين العرب في العراق هو أكثر من الكرد والتركمان و الأقليات الأخرى. لقد لعبت العشائر أدوارًا قيمة في مختلف فترات التاريخ المعاصر للعراق؛ وأقربها هو الدور الذي لا يمكن إنكاره للعشائر في الجنوب والوسط في كبح انتشار داعش في العراق. ومع ذلك، تحمل عشائر العراق تهديدات مهمة يمكن أن تظهر في ظروف معينة وتسبب في إنتاج الأزمات.

 

تضارب المصالح الأمنية

أول تهديد كبير للمجال العشائري في العراق هو وجود تعارض المصالح في المجال الأمني. يتعين على الشرطة العراقية، التي تتكون من ثلاثة مستويات: الشرطة الوطنية، الشرطة المحلية، وأفراد القوات الخاصة، أن تختار بشكل متواصل من بين الرجال العراقيين الذين يتمسكون بمبادئهم العشائرية. على الرغم من أنهم يتعرضون لتدريب عسكري وأمني ويتم تعريف مهمة تتجاوز المصالح القومية والعشائرية، إلا أن روابط هؤلاء الأفراد مع عشيرتهم لا تزال قائمة. هذا التضارب الكبير في المصالح يؤدي إلى انتهاكات واسعة فيما يتعلق بالتعاملات المحلية مع الجرائم أو الاتهامات، وبعض عمليات التسوية العشائرية تتم على يد منفذي القوانين.

هذه القضية ليست متجسدة فقط في الشرطة العراقية بل أيضًا في الجيش والقوات الأمنية العراقية. فقد كانت هناك أسباب متعددة وراء عدم تصدي الجيش العراقي للجماعة الإرهابية داعش، والتي أدت إلى تلوث العراق بالإرهاب العالمي، ومن بينها وجود بعض من عناصر الجيش العراقي الذين ينتمون لعشائر داعمة لداعش في الجبهة. إن استغلال داعش لعدد من عشائر الأنبار كان أحد رموز بقاء هذه الجماعة الإرهابية في شمال غرب العراق.

 

رهاب الوحدات الأمنية من الشغب العشائري

في حادثة غريبة تعكس تعقيد قضية المنازعات القبلية، اضطرت أربعة من عناصر قوات الرد السريع العراقية في يناير من العام الجاري إلى دفع 100 مليون دينار عراقي (حوالي 68 ألف دولار) كـ “دية عشائرية” لقبيلة أبو بدر في محافظة واسط في جنوب العراق. جاءت هذه الخطوة بعد مقتل أحد أحفاد هذه القبيلة، حيث عُقد اجتماع قبلي في منزل رئيس القبيلة، النائب في البرلمان العراقي، أحمد البدري، بحضور قائد لواء قوات الرد السريع.

وقعت هذه الحادثة بعد تظاهرات نفذها عدد من الفلاحين بسبب خلاف حول مياه نهر الرحمة في إحدى أقسام محافظة واسط، مما أدى إلى تدخل قوات الرد السريع لتفريق المظاهرة، مما نتج عنه مقتل أحد المحتجين. واتُهم أربعة من أفراد هذه القوات بالقتل فإنهم، بدلاً من اتخاذ الإجراءات القانونية الرسمية للنظر في القضية، حضروا الاجتماعات العشائرية، وحُكم عليهم بدفع الدية وفقاً لقرار زعماء العشائر.

إن قبول قائد لواء قوات الرد السريع، بدلاً من الدخول في آلية القانون الرسمية في العراق، للقانون البدوي العشائري، وحضوره في محكمة يكون قاضيها مرتبطاً بصلات دم وقبيلة مع المدعي، يظهر أن القوانين الرسمية في العراق قد خرجت من إطار التأثير الحقيقي في جزء كبير من المجتمع العراقي، حيث حافظت فقط على شكلها الظاهري. وهو ما أدى إلى أن يعتبر العراقيون دائماً عشيرتهم دعماً للنجاح في النزاعات الشخصية مع الآخرين، ويعتبرونهم قوة تفوق القانون لتحقيق أهدافهم.

سلاح العشائر

إن وجود أسلحة غير قانونية في حوزة العشائر، الذي ازداد بعد انهيار نظام صدام وبدء الفوضى في العراق، سيظل دائمًا تهديدًا مستمرًا للحكومة العراقية؛ ورغم أن هذه الأسلحة كانت فعّالة إلى حد ما في مكافحة داعش في لحظة حاسمة، إلا أنها تسببت، في غير ذلك، بمشاكل مستمرة. لذلك، يسعى كل مرشح إلى الاستفادة من شعار “مكافحة الأسلحة المنفلتة” لتحقيق النجاح في الانتخابات.

تُعقد تصفية الحسابات القبلية، مثل “الدكة العشائرية”، بفضل وجود هذه الأسلحة المنفلتة.

 

جهود الحكومة في معالجة أزمة الأمن العشائري

أعلنت وزارة الداخلية العراقية أنها، في ظل الإجراءات المتواصلة على مدى عدة سنوات، تمكنت من تقليل هذا التهديد العشائري الخطير بنسبة 90%. وقد تحققت هذه الوزارة بالتعاون الجيد مع “لجنة الأوقاف والعشائر” التابعة للبرلمان العراقي، وبتطوير تأثير لجان الهيئة الانتخابية في المحافظات على الأحداث الجارية في العشائر، وهي تسعى إلى حل المشاكل. منذ عام 2020 وحتى الآن، تمكنت الوزارة من حل أكثر من 6400 نزاع عشائري، قبل أن تتحول إلى صراعات مسلحة أو اعتداءات قبلية. وفي عام 2024، وقعت 100 نزاع عشائري، تم حل معظمها بتدخل مباشر من الوزارة.

تعد اللقاءات المتكررة بين المسؤولين الأمنيين وأبناء الدولة مع شيوخ العشائر، وتنظيم أنشطة ثقافية تشجع الجمهور على اللجوء إلى المحاكم الرسمية لمتابعة الشكاوى الشخصية، ومحاولة إقناع العشائر بعدم التدخل في القضايا الشخصية، من بين التدابير الاجتماعية والثقافية لاحتواء التهديدات الأمنية والفوضوية للعشائر. إن حضور قوات الرد السريع في الاجتماعات العشائرية لتحديد الدية يأتي في إطار هذه الجهود، ويظهر بشكل جيد أن هذه الطريقة في حل القضايا، رغم ما لها من إيجابيات، فإن لها أيضًا آثار سلبية على سيادة القانون في العراق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *