البلوغرية في العراق؛ تحدٍ، فرصة أم أزمة؟

البلوغرية في العراق؛ تحدٍ، فرصة أم أزمة؟
ويواجه البلوغرز، والمشهورون في العراق بشكل عام تحديات تتعلق بطبيعة المحتوى الذي يقدمونه، ومدى توافقه مع الأعراف الاجتماعية والدينية السائدة...

المقدمة

العراق، کأی بلد آخرٍ تعرض لنتائج التکنولوجیا، یواجه صعود موجة من الأشخاص الذین لدیهم متابعون کثیرون، ودون أن یُعرف الفرق الجوهری بین أی منهم وبین عامة المجتمع، تمکنوا من الحصول على مرجعیة إعلامیة محیّرة للعقول واکتسبوا مکانة فی حجم وسیلة إعلام جماعی موثوقة. یسعى هذا المقال إلى قیاس ما إذا کانت هذه الظاهرة فی العراق شیئًا فی قالب: فرصة أم تحد؟ وهل وصلت إلى وضع حرج أم لا؟

البلوغرية في العراق

بالتزامن مع دخول أجیال الإنترنت الجدیدة إلى الشرق الأوسط، تأثر العراق أیضًا بالفضاء العالمی الجدید. کان اهتمام العراقیین بفیسبوک ویوتیوب، فرصة جیدة لبدء نشاط مجموعات کبیرة فی هاتین الوسیلتین والانتقال من القنوات الفضائیة إلى الفضاء الافتراضی. فی ینایر 2015، منحت لجنة الاتصالات والإعلام العراقیة شبکات زین العراق، آسیاسل وکورک تیلکام رخصة لتطویر البنیة التحتیة للإنترنت، وکانت هذه هی المرة الأولى التی یستخدم فیها العراق تکنولوجیا UMTS أو 3G.  مع دخول الجیل الثالث من الإنترنت وإمکانیة مشاهدة فیدیوهات و مقاطع قصيرة بجودة عالیة، زاد الفضاء أکثر للإنتاجات البصریة وأتیحت الفرصة لتطویر السوق الافتراضی أکثر من قبل.

دخول إنستغرام إلى هذا المعرکة وتطویر الصفحات الافتراضیة أکثر فأکثر، عرّف العراق بالکامل على سوق عمل جدید باسم: “البلوغرية”. حالیاً یُعتبر العراق من الدول الهامة فی مجال البلوغرز المختلفین، الذین غالبًا ما ینتجون محتوى فی الفضاءات: الفکاهة، الاجتماعیة والإعلانات.

البلوغرية في العراق، فرصة أم تحدٍ؟

فضاء البلوغرية فی العراق یعانی من نفس المشاکل التی تعانی منها الدول النامیة وحتى الدول المتطورة و هي: وجود محتویات هابطة؛ عدم مراعاة المعاییر الاجتماعیة الوطنیة أو الدینیة؛ المحاولة لعمل أی شیء لکسب المزید من المال؛ تحویل البشر إلى مخلوقات مستهلکة؛ إبعاد المراهقین عن فضاء الدرس والکتاب بإنتاج محتویات مضللة؛ الابتذال الکثیر فی المقاطع؛ المحاولة لتطبیع المثلیة الجنسیة؛ فخّ العلاقات غیر الشرعیة العاطفية و الجنسية؛ تدخل البلوغرز فی الموضوعات الحساسة الاجتماعیة، الأمنیة أو السیاسیة وتقدیم محتویات خاطئة أو بدون وثيقة کثیرة والتحول إلى دمى فی ید العصابات الاقتصادیة، السیاسیة والاجتماعیة المختلفة.

من جهة أخرى، فضاء البلوغرية فرصة جیدة لرؤیة الموضوعات والهیئات الأقل رؤیة. الکثیر من المطاعم، الفنادق، المراکز الترفيهية والتجاریة نجحوا بالصعود على سلم البلوغرز ودعوتهم إلى مجموعتهم وإنتاج مقاطع فیدیو فیسبوکیة وإنستغرامية ومنحهم قیمة بقدر عُشر المبالغ الضخمة للإعلانات المدنیة أو التلفزیونیة، یسلکون طریقًا أقل تکلفة لرؤیتهم والنجاح فی العمل. یکفی أن نعلم أنه فی الدورة الثامنة والأربعین لمعرض بغداد الدولی فی سنة 2024 التی شارکت فیها آلاف الشرکات الصناعیة، التجاریة من العالم وخاصة الدول العربیة وأیضًا الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، کان الحمل الإعلامي الأکبر على عاتق البلوغرز العراقیین وقامت الغرف المختلفة بتوظیفهم، وتلک الغرف کانت غالبًا ما تتشکل من الغرف السعودیة أو القطریة وقاموا بالترویج لتلک الشرکات فی العراق. من هذه الزاویة، البلوغرية فرصة کبیرة للرؤیة بسهولة وبکلفة أقل فی العراق ونمو هذا الفضاء المهنی له علاقة مباشرة بنمو الأعمال والتجارة والصناعة فی العراق.

أیضًا جزء من هؤلاء البلوغرز قاموا بإنتاج محتویات مختلفة خلال أیام مسیرة الأربعین وأسهموا فی زیادة مشارکة المشارکین فی هذه المسیرة. هذه فقط جزء من الفرص القیمة التی أوجدها فضاء البلوغرية فی العراق. المحاولة لتحریر السجناء؛ المحاولة لرفع الحرمان بجمع مبالغ إنسانیة، التعاون مع هیئات حقوق الإنسان وتعریف فرص السیاحة والترفیه من الثمرات القیمة الأخرى للبلوغرز العراقیین.

البلوغرية، فی سبیل التحول إلى أزمة

المسار الحالي للبلوغرية فی العراق مع کل الفرص والثمرات القیمة، لیس فی الجادة المناسبة؛ البلوغرز العراقیون دخلوا فضاءات فیها تحدیات کبیرة ویبدأ تدریجیًا کفة أضرار هذا الفضاء المهنی بالثقل على منافعه.

سأشیر بإیجاز إلى اثنین من أهم أزمات فضاء البلوغرية فی العراق:

أ. الدخول إلى الفضاء السیاسی

البلوغرز العراقیون خلال السنوات الماضیة دخلوا دخولًا جدیًا إلى الفضاء السیاسی. تدخلهم فی ثور التشرين فی سنة 2019 میلادیة الذی أدى إلى إسقاط حکومة السید عادل عبدالمهدی واغتیال قادة المقاومة و ترسيخ قدم أمریکا فی العراق، حدث لا یمکن إنکاره.

حالیاً أیضًا إحدى الأزمات السياسية أمام العراق فی سنة 2025، دخول البلوغرز إلى معرکة الانتخابات البرلمانیة العراقیة التی ستقام فی التشرين الثاني من هذا العام. قناة الأخبار آی.نیوز العراقية خلال تقریر تفصیلی وصفت البلوغرز العراقیین بأنهم “رُب البندورة” الذی یُضاف لإضفاء طعم على أی شیء عدیم الطعم، من الأطعمة في مطاعم حتی الأحزاب السیاسیة! إشارة هذه القناة إلى دخول فودبلوغرز إلى الفضاء الانتخابی وطلبهم للتصویت لفلان المرشح المحتمل!

ب. الدخول إلى فضاء الأفعال الاجتماعیة

دخول البلوغرز إلى الفضاء الاجتماعی لو کانت له آثار مطلوبة لکنه لسبب أن البلوغرز لیس لدیهم الفطنة اللازمة القانونیة، المدنیة، الحقوقیة والاجتماعیة، دائمًا یعتبرون جسرًا لکسر الأعراف الاجتماعیة. المحاولة لتطویر العلاقات الجنسیة فی المجتمع وتحریکهم بإنتاج محتویات غالباً ما تکون إیروتیکیة، المحاولة لنشر الفیمینیزم فی المجتمع العراقی وتعلیم کیفیة التعامل السلطوی بالنساء العراقیات فی قبال رجال هذا البلد والتعاون مع مؤسسات حقوق الإنسان الغربیة فی اتجاه أهداف ومُنیات تلک المؤسسات من الأضرار الاجتماعیة العمیقة للبلوغرز وتتحول إلى أزمة.

المحطة الأخیرة؛ قتل البلوغرز!!

و أما في العراق و  بالسنوات الأخیرة یواجه المجتمع ظاهرة: “قتل البلوغرز”! لقد تعرض العديد من الشباب العراقي لاضطرابات واهتزازات في حياتهم بسبب تأثير البلوغرز وهذا الحدث أدى إلى جرائم دمویة.

إرم نیوز خلال تقریر تحلیلی تطرقت إلى ظاهرة قتل البلوغرز فی العراق. عنوان هذا التقریر: “شهرة “مسمومة”… لماذا یقتل البلوغرات فی العراق؟” النص الکامل لتقرير إرم نیوز أقدمه للقراء الکرام:

لم تكن البلوغر العراقية “شوق العنزي” أول ضحية في قائمة من الشابات اللواتي تحولن من نجمات على السوشيال ميديا إلى ملفات جنائية في أدراج الشرطة، إذ يثير تكرار هذه الحوادث تساؤلات عن السبب الحقيقي وراء هذا النوع من الجرائم.

عثرت الشرطة العراقية، الثلاثاء، على جثة العنزي داخل شقة سكنية في حي العدل غرب العاصمة بغداد، بعد تعرضها لاعتداء بآلة حادة أودى بحياتها، فيما اعتُقل القاتل بعد فراره إلى محافظة الأنبار.

ووفقاً لمصادر أمنية، فإن القاتل شاب يبلغ من العمر 22 عاماً، وعُثر بحوزته على مسدس، واتُخذت بحقه الإجراءات القانونية بعد توقيفه.

وشهدت السنوات الماضية سلسلة حوادث مشابهة طالت شابات مشهورات على مواقع التواصل، ما أثار الشكوك حول وجود نمط من الاستهداف المتكرر لهن، سواء بدوافع شخصية أو اجتماعية أو حتى إجرامية.

 سلسلة استهدافات

والعام الماضي، قُتلت البلوغر، “أم فهد” بإطلاق نار أمام منزلها في زيونة في بغداد، بعد أشهر من خروجها من السجن إثر اتهامها بنشر محتوى مسيء.

وقبلها لقي مشهور مواقع التواصل، “نور BM” مصرعه في حي المنصور، في جريمة وُصفت حينها بأنها رسالة موجهة للمجتمع الرقمي، أما في 2022 فقد صُدمت محافظة دهوك بجريمة قتل “دوسكي آزاد” على يد شقيقها، بدافع الشرف كما قيل.

بدورها، قالت الناشطة والحقوقية، أنوار الخفاجي إن “تصاعد جرائم قتل البلوغرز في بغداد يعكس بيئة اجتماعية وأمنية مقلقة، إذ تتعرض المؤثرات في مواقع التواصل للاستهداف بدوافع دينية واجتماعية، لاعتبار البعض أن محتواهن لا يتوافق مع القيم التقليدية السائدة”.

وأضافت الخفاجي لـ”إرم نيوز” أن “بعض الجماعات المسلحة تمارس دوراً في ملاحقة المؤثرين الذين يعبرون عن آراء جريئة أو يتناولون قضايا حساسة، في ظل ضعف واضح في الإجراءات الأمنية، وغياب قوانين صارمة لحماية الناشطين، ما يجعل كثيرين يفضّلون الصمت خوفاً من المصير ذاته”.

خطاب الكراهية

ولا تبدو هذه الحوادث المتكررة – وفق مختصين – معزولة عن واقع معقد، إذ تكشف عن ضعف الحماية القانونية والاجتماعية للنساء في الفضاء الرقمي، وتصاعد خطابات الكراهية والتهديد بحقهن، ما يجعل الشهرة على منصات التواصل في العراق تدفع بأصحابها نحو مصير دموي.

ولم تتمكن السلطات العراقية، غالبًا، من اعتقال المتورطين في مقتل أغلب الضحايا من البلوغرز، حيث بقيت بعض الجرائم دون كشف هوية الجناة أو سُجّلت ضد مجهول، وهو ما يثير تساؤلات عن طبيعة هذه الجرائم وما إذا كانت مجرد حوادث فردية أم أنها تحمل طابعاً منظماً يعكس وجود جهات أو دوافع تتجاوز الإطار الشخصي، في ظل صمت رسمي يحيط أغلب تلك القضايا.

بدوره، يرى العميد المتقاعد، سلمان الزبيدي أن “جرائم قتل البلوغرز في العراق لم تعد مجرد صدف متكررة، بل باتت تحمل نمطاً أمنياً لافتاً، وكأن هناك جهة ما تراقب وتختار وتنفذ، بعيداً عن الأنظار، وبحسابات دقيقة”.

وأضاف لـ”إرم نيوز” أن “بعض هذه الجرائم تحمل بصمات أشخاص تلقوا تدريباً على أعمال التمويه والملاحقة، وهو ما يجعل من الصعب على الشرطة كشفها بسهولة، كما أن اختيار التوقيت والمكان، وحتى طريقة القتل، يدل أحياناً على معرفة استخبارية دقيقة بحياة الضحية”.

وأشار إلى أن “أجهزة التحقيق تتعامل مع ملفات مثل هذه بحذر شديد، وهناك خشية من فتحها بشكل كامل لأنها قد تقود إلى شبكات أو أسماء نافذة، ولذلك، غالباً، ما يتم الاكتفاء بإغلاق الملف بمتهم واحد، حتى لو كانت الحقيقة أوسع من ذلك”.

ملاحقات أمنية

ويواجه البلوغرز، والمشهورون في العراق بشكل عام تحديات تتعلق بطبيعة المحتوى الذي يقدمونه، ومدى توافقه مع الأعراف الاجتماعية والدينية السائدة، إذ يجد الكثير منهم أنفسهم في مرمى الانتقادات والرقابة المجتمعية والرسمية، لا سيما في ظل ازدياد الحديث عن المحتوى “الهابط” وتأثيره على الذوق العام.

وتعتقل القوات الأمنية، بين الحين والآخر، بعض صناع المحتوى بتهم تتعلق بالإساءة إلى القيم والتقاليد، في إطار حملات تنفذها هيئة الإعلام والاتصالات أو جهات أمنية، إذ يتم سجنهم لنحو 4 أشهر، مع دفع غرامات مالية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *