«أَيَزعُمُ أنَّهُ يُولّيكَ مُلكَ الرَّيّ؟!
فلا واللهِ، لا تذوقُ من بُرِّها شِبراً، ولا تنالُ من خيرِها أثراً…»
بهذه الكلمة الخالدة واجه الإمامُ الحسين عليه السلام عمرَ بنَ سعد، حين انحدر الرجل إلى هاويةٍ صنعها بيديه، باع دينه وضميره ووضع رأسه في ميزان سلطانٍ زائلٍ لم ينله في نهاية المطاف، بل نال لعنةَ التاريخ وخيبةَ الدنيا والآخرة.
واليوم… تعود الدروس ذاتها ولكن في صورٍ جديدة.
فكم من رجلٍ يعيش بيننا، يظنّ أن المنصب هو قمّة المجد، وأن الكرسي هو الخلاص، فيقدّم روحه قربانًا، ويبيع شرفه بثمنٍ بخسٍ لا يتجاوز أربع سنوات من سلطةٍ لا تثبت لأحد ولا ترحم أحدًا.
يُسلّم نفسه للظلام، ويكتب بيده صكّ البيع، وهو يحسب أنّه يربح، وما علم أنّه خسر نفسه قبل أن يخسر الناس.
فالسلطة التي تأتي بلا مبدأ،
لا تمنح مكانة… بل تكشف خواء صاحبها.
والكرسيّ الذي يُنتزع بثمن المواقف،
لا يُعلن نجاحًا… بل يفضح انهيارًا.
إنها الحقيقة التي لا تتغير:
المنصب امتحانٌ، لا انتصار.
والكرسيّ ميزانٌ، لا ميدان.
ومن يبيع ضميره لأجل منصبٍ زائل،
كمن يركض خلف السراب:
يرى انعكاس الماء ولا يشربه،
ويظن أنه بلغ الذروة وهو يهوي نحو القاع.
التاريخ لا يتجمّل لأحد.
وذاكرة الشعوب لا تُشترى.
والشرف إذا سقط—ولو مرة—
لا يعود كما كان، مهما تجمّلت الأقنعة.
لقد قال الحسين عليه السلام كلمته لعمر بن سعد،
ليس في شأن «ملك الري» وحده،
بل ليبقى الدرس مفتوحًا لكل زمن:
ما كان لله ينمو… وما كان لغير الله يضمحل.
وما بُني على باطل،
فلن يقف طويلًا،
وسيترك صاحبه وحيدًا أمام ضميره، وأمام الناس، وأمام التاريخ.
ولذلك نقول:
من أراد منصبًا فليذهب إليه مرفوع الرأس،
لا منكسَر المبدأ…
فأما المناصب فتمضي،
وأما العار فيمكث ما مكث الليل والنهار.


