اقتصادٌ غني… وقرارٌ مقيّد: العراق بين ثروة النفط وبوابة واشنطن

اقتصادٌ غني… وقرارٌ مقيّد: العراق بين ثروة النفط وبوابة واشنطن
يعرض التحليل مأزق الاقتصاد العراقي بين وفرة النفط وتقييد القرار المالي بفعل الارتباط بالنظام المالي الأميركي، مع أعباء ديون داخلية واختلالات بنيوية، ما يجعل البلاد تسير بين استقرار هش وخطر اختناق نقدي وانهيار مالي محتمل....

اعلامي و ناشط سياسي حاصل على دكتوراه في الاعلام من جامعة عين شمس و ماجستير اعلام من جامعة بغداد

تدرك الدولة العراقية أن أي مواجهة اقتصادية مع الولايات المتحدة لا تُقاس بالشعارات، بل بعواقب قاسية قد تدفع البلاد إلى مسار يشبه التجربة الإيرانية، حيث أدّت العقوبات المتراكمة إلى شلل مالي وانهيار تدريجي للعملة، رغم اتساع الدولة وتنوع مواردها.

الارتباط المالي بالعقوبات الأمريكية وحدود القرار الاقتصادي العراقي

هذا الإدراك يفسّر حرص بغداد على تجنّب الصدام مع واشنطن، لأن النظام المالي العراقي مرتبط عضوياً بالفيدرالي والخزانة الأمريكية، وأي اختلال في هذا الارتباط يعني تعطّل التحويلات، وشح الدولار، واضطراب السوق. تخضع اليوم 33 مصرفاً تجارياً عراقياً لعقوبات أميركية كما يتعرض مصرف الرافدين الحكومي لضغوط وإجراءات أمريكية متفاوتة، فضلاً عن شركات وشخصيات سياسية وحكومية واقعة تحت المراقبة. هذا الواقع جعل القرار المالي العراقي محكوماً بسقف دولي، لا بوفرة الموارد وحدها.

الاختلالات الداخلية وتداعيات المديونية ودور النفط في تعميق الأزمة الاقتصادية

في المقابل، يحقق العراق نحو سبعة مليارات دولار شهرياً من تصدير 3.25 ملايين برميل نفط يومياً، إلا أن نحو مليار دولار تذهب مباشرة إلى الشركات الأجنبية، وما يتبقى بالكاد يغطي الرواتب والتقاعد والرعاية الاجتماعية، دون قدرة حقيقية على تمويل الخدمات أو المشاريع. وتتفاقم الأزمة بسبب أعباء داخلية مزمنة، أبرزها ملف الكهرباء المستنزف للمليارات نتيجة الاستيراد وضعف الجباية والفساد، وقطاع المياه بتكاليفه الصامتة، وواقع المصافي المتقادمة الذي اضطر العراق، رغم كونه دولة نفطية، إلى استيراد المشتقات النفطية دون أن تعود عائداتها كاملة إلى الخزينة ورثت حكومة السيد محمد شياع السوداني منذ تشكيلها في تشرين الأول

2022 ديناً داخلياً بلغ نحو 70.505 تريليون دينار، مع عجز سنوي يقارب 64 تريليون دينار، ما رفع المديونية الداخلية إلى أكثر من 103 تريليونات.

ومع شح الإيرادات غير النفطية واستنزاف المنافذ والموارد خارج سيطرة الدولة، اضطرت الحكومة إلى الاقتراض الداخلي وضخ أكثر من 100 تريليون دينار في السوق دون دورة مالية فاعلة. الخلاصة أن أزمة العراق ليست أزمة نفط، بل أزمة قرار مالي خاضع للضغط الخارجي واختلال داخلي في إدارة الموارد. وبين نموذج إيران المعزولة وخيار الاستقرار الحذر، يحاول العراق السير على حافة ضيّقة، خوفاً من أن يتحول اختناق السيولة إلى انهيار نقدي شامل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *