العجز في الموازنة

العجز في الموازنة
يعرض النص مفهوم العجز المالي وآثاره على الاقتصاد، موضحًا أساليب الدول في معالجته عبر تقليل النفقات وزيادة الإيرادات أو الاقتراض، مع إبراز محدودية الخيارات في العراق بسبب الريعية النفطية وضعف التنويع الإنتاجي....

يعد العجز في موازنة الدولة المؤشر الحقيقي لمتانة الاقتصاد وقدرته على تحمل الدّين، ونسبة العجز موجودة في كل موازنات الدول، لكن بنسب متفاوته، تقاس من خلال حجم الاقتراض الداخلي والخارجي.

نشير إلى هذه المعلومات لنخاطب بها غير المختصين العارفين في المفاهيم الاقتصادية، وإسهامًا في تعميق الثقافة الاقتصادية، لأهميتها في المجتمع. وإدراك ما يجري ويدور في دهاليز السياسات المالية والنقدية والاقتصادية.

وبتعريف بسيط للعجز في الموازنة العامة، فإنه يعني العلاقة العكسية بين نفقات الدولة وايراداتها، فكلما كانت النفقات أعلى من الإيرادات، تظهر نسبة العجز حسب فجوة الفرق بين تلك الإيرادات والنفقات في الموازنة.

أهمية الموازنة في الاقتصاد

ولغرض معالجة هذا الفارق، تضطر الدولة إلى الاقتراض، وكلما اتسع حجم الاقتراض يواجه البلد ظروفًا اقتصادية حرجة. وهنا تلجأ الدولة إلى اتخاذ إجراءات من شأنها تخفيض جانب من ذلك العجز، من خلال ضغط النفقات، بوسائل شتى، ومحاولة زيادة الإيرادات، تحت ما يسمى بالتعزيز المالي.

هذا هو منطوق النظرية الاقتصادية في معالجة العجز في الموازنة. وقد يظن البعض منا أن هذا العجز يحدث فقط في الدول النامية، ومن بينها العراق، لكن الواقع يشير إلى عكس ذلك. وأقرب مثال على ذلك ما يعانيه اقتصاد الولايات المتحدة الأميركية من نسبة عجز كبيرة تقدر بنحو 120 % من حجم الناتج المحلي للولايات المتحدة الإجمالي، بحسب تقارير دولية رسمية موثوقة. نشير إلى هذه المعلومة لمعرفة كيف تتعامل الدول في معالجة عجز موازناتها، والفرق بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية.

يؤكد خبراء في الاقتصاد أن قرار ترامب، برفع التعرفة الكمركية، يهدف إلى تحقيق أهداف اقتصادية، وأخرى سياسية. فالقرار يهدف إلى تعظيم الموارد من الناحية الاقتصادية، لتخفيض العجز في الموازنة، أما سياسيًا، وهذا ليس من صلب موضوعنا، فهو لأغراض فرض إرادات، قسم منها ذو صلة بالهدف الاقتصادي.

سياسات العجز المالي الوطني

عودٌ على ذي بدء، فإن معالجة العجز تجري عن طريق رفع الإيرادات، من خلال ضغط النفقات، كوصفات صندوق النقد الدولي، برفع الدعم وفرض الضرائب على الشركات والأشخاص، إلا أن هذا الأسلوب يواجه اعتراضات واحتجاجات، ما يضطر الدول إلى الاقتراض. وهنا تكمن المشكلة.

لذلك، وللتخلص من تداعيات رفع الضرائب على الأفراد، أو تسريح الموظفين، وعلى وفق التجربة الأميركية، فقد ذهب الرئيس ترامب إلى معالجة العجز برفع التعرفة الكمركية على استيرادات أميركا من غالبية دول العالم، على عكس تجارب الكثير من الدول الأخرى، حيث تجري معالجة العجز عبر زيادة الصادرات وتقليل الاستيرادات، فتعوض نسبيًا عن الحاجة للاقتراض.

في العراق، مازلنا نعتمد على مورد النفط الريعي الأحادي، ولا نمتلك بضائع ومنتجات بديلة لتصديرها، واستيراداتنا عالية، ونفقاتنا أعلى من إيراداتنا، لذلك لم أجد أية نظرية اقتصادية قابلة للتطبيق على أرض الواقع في العراق، ولاسيما في فترة قصيرة، بسبب عدم مرونة الجهاز الإنتاجي وضعف تنوعه.

المطلوب هو تفعيل القطاعات الإنتاجية، والعمل على رفع صادرات السلع غير النفطية، والعمل الجاد على تنويع مصادر الدخل، لكيلا نضطر للجوء إلى الاقتراض، خارجيًا او داخليًا، فكلاهما يعيق نمو وتطور اقتصاد البلد، بلا ريب..!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *