المقدمة:
شيّد العراق سورًا حدوديًا شاهقًا مع سوريا ليصدّ المتسللين والإرهابيين، لكن الجدار مهما ارتفع لا يغلق كل الطرق. فالأمن لا يُبنى بالحجارة وحدها، بل بالرقابة الشاملة على المنافذ كافة، وبالسيطرة على الداخل حيث تتخفى المخاطر في المناطق الهامشية والنائية غير المنظمة. التجربة أثبتت أن التهديد يتكيّف ويتحوّل، وأن الجدار يغلق جزءًا من الطريق لكنه لا يغلق كل المسارات.
العمالة الأجنبية غير القانونية… تهديد يتجاوز الاقتصاد
يدخل العراق موجات من العمالة الأجنبية — خصوصًا من سوريا وآسيا — بلا تدقيق أمني، بلا تسجيل رسمي، بلا بصمات. بعضهم يحمل سوابق جنائية خطيرة، بعضهم يعمل ضمن شبكات تهريب منظمة، وبعضهم غطاء لخلايا إرهابية متخفية.
التعامل معهم على أنهم مجرد “مخالفين” خطأ جسيم، إذ أن الفرق كبير بين ترحيل عامل غير قانوني وضبط عنصر إرهابي.
التهريب يتكيّف مع الجدار
شبكات التهريب لا تتوقف عند السور، بل تغيّر مساراتها سريعًا نحو:
– الممرات الجبلية في إقليم كردستان.
– الحدود الغربية الممتدة مع الأردن.
– الحدود الجنوبية مع السعودية حيث المساحات الصحراوية الواسعة قليلة الرقابة.
– المناطق النائية والهامشية داخل المدن والريف.
الجدار يغلق جزءًا من الطريق، لكن التهريب يظل مرنًا، يبحث عن ثغرة جديدة كلما أُغلقت أخرى.
درس من التاريخ… سور الصين العظيم
يُذكر أن سور الصين العظيم، رغم ضخامته وامتداده آلاف الكيلومترات، لم يُخترق بالقوة العسكرية المباشرة، بل عبر الخيانة الداخلية حين فتح أحد الحراس البوابات للغزاة. هذا المثال التاريخي يوضح أن الجدران مهما ارتفعت لا تكفي وحدها، وأن الخطر الحقيقي يكمن في الثغرات البشرية والتنظيمية.
وبالمثل، فإن السور الحدودي العراقي مع سوريا يظل خطوة مهمة، لكنه لا يغلق كل الطرق، ما لم تُعزز الرقابة على الداخل وتُضبط شبكات التهريب والعمالة الأجنبية غير القانونية.
المناطق الهامشية والنائية… ثغرة حرجة
أخطر ما يواجه العراق اليوم هو استقرار العمالة الأجنبية غير القانونية داخل المناطق الهامشية والنائية. هذه البيئات تفتقر للتنظيم والرقابة، وتتحول إلى ملاذ مناسب للتخفي والاختفاء، مما يجعلها بؤرًا محتملة لتجمع المجرمين والمتسللين.
خطوات تنظيمية عاجلة
1.منع الأجانب من السكن داخل المناطق الهامشية والنائية.
2.منعهم من السكن في الأحياء السكنية للعوائل العراقية.
3.إلزامهم بالسكن في فنادق رسمية أو مجمعات مرخصة تحت رقابة السلطات.
4.منع تأجير المنازل للأجانب في أحياء المواطنين ومعاقبة المخالفين.
5.جرد شامل للمناطق الهامشية وترقيمها، مع إدخال بيانات السكان في قواعد بيانات الشرطة والأمن الوطني.
6.إخلاء أي أجنبي لا يحمل إقامة قانونية ونقله إلى مجمعات مرخّصة ريثما تبت الجهات القضائية والامنية بامرهم.
7.إلزام أرباب العمل والمحلات والمولات بالإبلاغ عن العمالة الأجنبية، والتأكد من أوراقهم وثبوتياتهم، والتعاون مع الجهات الأمنية.
8.تنظيم عملهم عبر تصاريح عمل أصولية، تُمنح فقط بعد التأكد من حاجة العراق لهذه الأيدي العاملة، لا أيدٍ غير ضرورية تزاحم العراقيين وتزيد البطالة.
هذه الإجراءات تغلق الثغرة الأكثر استغلالًا من قبل المهربين والإرهابيين، وتربط بين الأمن الوطني وحماية سوق العمل.
المواطنون الفقراء ليسوا المستهدفين
الفقراء العراقيون الذين اضطروا للسكن في المناطق الهامشية بسبب ارتفاع أسعار الوحدات السكنية ليسوا موضع لوم. هؤلاء مواطنون محتاجون، ويجب أن توفر لهم الدولة حلولًا عادلة، مثل:
– بناء أحياء واطئة الكلفة ومدعومة من الدولة.
– تمليك هذه الوحدات للعوائل المحتاجة.
– ضمان سكن كريم لكل مواطن وفق قدرته الاقتصادية.
الخطر الحقيقي يكمن في العمالة الأجنبية غير القانونية، لا في المواطن العراقي الفقير.
المخاطر الاجتماعية والاقتصادية
توسع سوق العمل غير المنظم على حساب المواطنين، زيادة جرائم السرقة والمخدرات والتعديات، اختلاط العناصر غير القانونية بالمجتمع المحلي، ما يهدد السلم الأهلي، انتشار مناطق سكنية غير مراقبة تشكل بؤرًا لتجمع المجرمين والمتسللين.
الحلول الشاملة لضبط الحدود والداخل
- مراقبة ذكية للحدود باستخدام كاميرات حرارية وطائرات مسيّرة ونقاط تفتيش ليلية.
- قاعدة بيانات وطنية موحدة للعمالة الأجنبية تشمل بصمات اليد والوجه ومكان السكن وجهة العمل.
- تفكيك شبكات التهريب وملاحقة الوسطاء الذين يسهلون دخول أو إخفاء المتسللين.
- حملات تفتيش دورية للمناطق الهامشية والنائية التي تستغل من قبل العمالة غير القانونية.
- فرض عقوبات صارمة على المخالفين، سواء من الأجانب أو العراقيين الذين يسهلون تسللهم.
- تنظيم سوق العمل عبر تصاريح رسمية، وربطها بحاجة العراق الفعلية، لضمان عدم مزاحمة العمالة الأجنبية للمواطنين.
الخاتمة:
السور مهم، لكنه ليس كافيًا. الأمن الوطني لا يُبنى بالحجارة وحدها، بل بالرقابة الذكية، والتنظيم الدقيق، والعدل الاجتماعي.من يعرف من يسكن مدنه، ويمنع المتسللين من الاختباء بين مواطنيه، ويضبط سوق العمل لصالح مواطنيه، يملك مفتاح الاستقرار.
أما المواطن العراقي المحتاج، فحقه في السكن الكريم والعمل الكريم لا يُمس، بل يُصان كجزء من أمن الدولة نفسها. والتاريخ يذكّرنا أن الجدران مهما ارتفعت قد تُخترق بالخيانة، وأن الأمن الحقيقي يبدأ من الداخل.


