منافسة أم حرب ناعمة؟

منافسة أم حرب ناعمة؟
يحلل النص تفوق الصين في الصناعة والتجارة، ولاسيما السيارات الكهربائية، وتأثيره في الاقتصاد الأوروبي، مبرزاً تحول المنافسة إلى حرب ناعمة تعتمد على الوعي الاقتصادي والابتكار، وداعياً الدول النامية للاستفادة من التجربة الصينية....

يجمع خبراء الاقتصاد والمال والأعمال، حول العالم، على أهمية الوعي الاقتصادي في جميع التعاملات سواء كانت سياسية، أو اقتصادية بين الدول، ولاسيما في فترات الأزمات الطبيعية والمفتعلة لأسباب سياسية.

وأبلغ مثال على أهمية الوعي الاقتصادي وحاجة الدول إليه ما يمر به الاقتصاد الأوربي من أزمات خانقة، وهو ثاني أكبر اقتصادات العالم، وذلك منذ أكثر من عقد من الزمن.

وتعود أسباب الأزمات الأخيرة إلى الصراع والتنافس بين آسيا والغرب في مختلف المجالات، ولتختزل مقالنا هذا في مجالي الصناعة والتجارة فواحد من أبرز معالم التنافس نراه في مجال صناعة السيارات على المستوى العالمي، التي تشتهر بها الدول الأوربية على مدار سنين، وخصوصاً في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، حيث كانت تلك الصناعة مهيمنة على السوق العالمية بتقنياتها الفاخرة.

التحول الصيني المفاجئ

وبرزت الصين، مؤخرا، كأكبر منافس في صناعة السيارات وتجارتها، نتيجة التطور الصيني المتسارع ومنافستها لأوربا، ولاسيما في هذا المجال الجاذب ولعل أسباب تفوق الصين هو التحول الكبير نحو استخدام السيارات التي تعتمد على الكهرباء بديلا عن وقود البنزين. وقد أدت هذه التكنولوجيا الحديثة إلى تراجع إنتاج السيارات في أوربا، وتسببت بخسائر كبيرة لشركات صناعات السيارات فيها، ما أدى إلى تسريح عمالة واسعة تسببت بتخلخل في البنية الاقتصادية الأوربية. وبسبب الكلفة المرتفعة في صناعة السيارات الكهربائية. كقدرة متنافسة، فقد بقي المستهلك الأوربي يفضل سيارات الوقود.

وتشير الدراسات إلى أنه في العام 2035 سوف يستغني العالم عن السيارات الوقودية، ما قد يتسبب في رفع وتيرة الأزمة الخانقة في أوربا. فالصين، وضمن طفراتها النوعية استطاعت صناعة سيارات كهربائية متفوقة، وبأسعار تنافسية أفضل من المتوقع الأوربي، ما دفع المستهلك الأوربي إلى مقاطعة السيارات الكهربائية والإبقاء على الوقودية منها، في وقت تتكبد شركات صناعات السيارات خسائر لم تعد قادرة بسببها على استمرار الصناعة فتراكمت أزمات تسريح العمالة، وأثرها في الضغط على الاقتصاد الأوربي. لذا ذهبت أوربا للاقتراض لتعويض الخسائر، وبذلك أخذت الديون تثقل اقتصاداتها . هذا إلى جانب دعمها لأوكرانيا في حربها مع روسيا والاستنزاف الطويل المستمر.

الوعي الاقتصادي والحرب الناعمة

من جانب آخر، خسرت فرنسا سوقها التجاري في إفريقيا، الذي كان يشكل 10 مليارات دولار سنويا، حيث استطاعت الصين أن تنفذ إلى السوق الإفريقي ، وتستحوذ على الاستثمارات فيها مقابل وسائل تشجيعية مختلفة. الأمر الذي زاد من تراجع النفوذ الاقتصادي الأوروبي في القارة. ونجحت الصين في تحويل المنافسة إلى أداة ناعمة للتمدد الاقتصادي بعيداً عن الصدام المباشر.

هذا جانب واحد من جوانب أسباب الأزمات الاقتصادية في أوربا، الذي ينسبه خبراء الاقتصاد والمال والأعمال إلى الوعي الاقتصادي في التفنن بالمنافسة التي هي أشبه بالحرب الناعمة، استخدمتها الصين.

إنها مؤشرات تنذر بضرورة الانتباه إلى أهمية التعامل الاقتصادي، وكيفية مواجهة الأزمات، وهي دروس للدول النامية، من بينها بلادنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *