انتهى زمن الطائفية، وانتهى زمن اللعب على وتر الدم والمذهب. سقط القناع عن كل من كان يتاجر بدماء الناس ليصنع لنفسه عرشًا من رماد الوطن. اليوم لا شيعي يُخدع، ولا سني يُستدرج، فالعراقي صار يعرف أن من يرفع شعار الفتنة هو أول من يهرب عند أول شرارة نار.
استُشهد صفاء المشهداني، عضو مجلس محافظة بغداد ومرشح الانتخابات، بعد تفجير عبوة لاصقة أسفل مركبته في قضاء الطارمية شمال العاصمة. كان رجلًا وطنيًا قاتل داعش ووقف إلى جانب الحشد الشعبي، وفقد ساقه في المعركة دفاعًا عن بلده، ثم اغتيل غدرًا لأنه رفض أن يكون طرفًا في لعبة الطائفية.
العملية لم تكن استهدافًا لشخصه فقط، بل كانت محاولة لإحياء نارٍ خمدت منذ سنوات. اغتيال المشهداني كان يراد منه أن يكون مفتاحًا لفتنة جديدة تُحرق الأخضر بسعر اليابس، عبر إذكاء الشكوك بين المكونات وإشعال خطاب الكراهية في موسم انتخابي مشحون. لكن الشعب هذه المرة لم يُخدع، فقد أدرك العراقيون الهدف باكرًا، وأفشلوا بوعيهم المشروع قبل أن يكتمل مخططه.
كل عملية اغتيال في هذا التوقيت تُقاس بميزانٍ سياسي لا بميزان الجريمة. المنفذون أرادوا خلط الأوراق، فاختاروا شخصية تُجسّد التقارب الوطني بين المذاهب ليُحدثوا شرخًا اجتماعيًا. عبوة لاصقة مموهة، موقع مستهدف بدقة، ورقابة سابقة للحركة؛ كلها مؤشرات على أن العملية مخطط لها باحتراف، وأن خلفها غرف مظلمة تتغذى على الفوضى وتعيش على الدماء وارتباطها بجهات إعلامية بدأت فور الاغتيال بنشر روايات طائفية جاهزة، في محاولة لتوجيه الرأي العام نحو صدام مذهبي مصطنع. لكن هذه الروايات سقطت سريعًا أمام وعي العراقيين الذين رفضوا أن يتحول دم المشهداني إلى وقودٍ لفتنة جديدة.
الوعي الشعبي اليوم أصبح أقوى من كل نار، وأذكى من كل مؤامرة. العراقي بات يرى أن كل دمٍ يُسفك هو دمٌ عراقي، وأن أي محاولة للتفريق بين أبناء الوطن ليست سوى خيانة جديدة. لقد تعب الناس من المقابر، من بيانات التنديد، ومن وجوهٍ سياسية تبكي على الشهداء في العلن وتشارك في صناعتهم في الخفاء. كفى دماءً من أجل كراسي السياسة، وكفى تضحياتٍ تُساق في سبيل أوهام الزعامة.
من قتل صفاء المشهداني أراد أن يصنع فوضى، فصنع وحدة. أراد فتنةً، فأنبت وعيًا. وأراد أن يزرع الخوف، فحصد يقظة وطنية لم يعرفها العراق منذ سنين. اليوم لا مكان للطائفية، ولا صوت يعلو فوق صوت العراق. من يقتل ليقسم سيموت منبوذًا، ومن يفرّق ليحكم سيسقط في أول هتاف “نريد وطن”.
العراق اليوم واحد، موحّد بالدم والوجع والمصير. انتهت الطائفية، وانتهى زمن من كان يحكم بالتحريض والكراهية. من يظن أن رصاصة أو عبوة ستُعيدنا إلى مربع الفتنة فليقرأ مصير من سبقوه.
من يشعل الفتنة اليوم… سيحترق وحده.
 
															 
								 
															


 
								 
								 
								 
								 
								 
								 
								 
								 
								