في دولةٍ يُفترض أن تُكرَّم فيها الخدمة ويُصان فيها الحق، تتحوّل القوانين أحيانًا إلى أدوات انتقام، وتصبح القرارات مرآةً تعكس مزاج الحاكم لا عدالة الدولة.
تبدأ القصة مع الأمر التشريعي رقم ٢١ لسنة ٢٠٠٥، الذي صدر بقرارٍ حكومي يقضي بمنح موظفي مكتب رئيس الوزراء ومجلس النواب ورئاسة الجمهورية وتوابعهم قطع أراضٍ سكنية تقديرًا لخدمتهم في تلك المؤسسات السيادية.
وقد جرى تطبيق القرار في حكومات إياد علاوي، ثم إبراهيم الجعفري، وبعده نوري المالكي، وكان التنفيذ يتم تدريجيًا وفق جداول ملاك الأراضي المتوفرة كل سنة، بحيث تُمنح الوجبات تباعًا حتى يكتمل العدد المستحق.
لكن قبل أن يصل دورنا في التسلسل الإداري، تسلّم حيدر العبادي رئاسة الوزراء، فأوقف العمل بالأمر التشريعي دون مبرر قانوني، ثم تبعه عادل عبد المهدي الذي أبقى التجميد كما هو.
وحين تولّى مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة، استأنف العمل بالأمر التشريعي رقم ٢١ لسنة ٢٠٠٥ وبدأ بتوزيع الأراضي على موظفي تلك الرئاسات، لكننا – نحن الثلاثة – استُبعدنا من القوائم رغم أننا كنا رسميًا على ملاك مكتب القائد العام للقوات المسلحة ومنسبين في مكتب رئيس الوزراء منذ عام ٢٠٠٧ ضمن ملاكات الرئاسة التنفيذية.
السبب لم يكن إداريًا ولا قانونيًا، بل سياسي بحت.
فقد رفض رئيس مستشاري الكاظمي رفع أسمائنا ضمن الوجبات التي خُصصت للموظفين، بحجة أننا “من العاملين في حكومة المالكي”!
قدّمنا شكاوى، ورفعنا التماسات، وراجعنا الجهات المختصة، ولكن دون جدوى.
وحين غادر الكاظمي وجاء محمد شياع السوداني، تجدد الأمل.
قدّمنا طلبًا رسميًا، فتم إدخال أسمائنا مجددًا في قاعدة بيانات أراضي مكتب رئيس الوزراء باعتبارنا من العاملين فيه لأكثر من عشر سنوات متواصلة.
وبتاريخ 6/6/2023، نُشرت قوائم الأسماء على جدار الأمانة العامة لمجلس الوزراء، كما تُظهر الصورة المرفقة، وفيها أسماؤنا واضحة تمامًا في التسلسلات (92، 93، 94)، مثبت أمامها تاريخ مباشرتنا 25/12/2007.
التقطنا الصورة لتوثيق الحق ولإثبات وجودنا في القائمة الرسمية التي تُعد وثيقة قانونية لا يمكن إنكارها.
لكن المفاجأة كانت حين بدأ توزيع الأراضي؛
شُطبت أسماؤنا الثلاثة فقط من الوجبة النهائية، بينما تسلّم جميع زملائنا أراضيهم في منطقتي كرّارة والغزالية.
وكان المبرر ذاته يتكرر: “أنتم عملتم في زمن المالكي”.
هل أصبحت الخدمة في زمنٍ معيّن تهمة؟
وهل يُعاقَب الموظف على تاريخ مباشرته بدلًا من أن يُكافأ على أمانته وإخلاصه؟
لقد خدمنا الوطن في أكثر مراحله خطورة، حين كانت بغداد تُغرقها التفجيرات، والعبوات تُزرع في الطرق، والموت يطرق الأبواب كل يوم.
كنا نعمل تحت النار لا في مكاتب فخمة، وساهمنا بجهودنا في دعم مؤسسات الدولة خلال الحرب على الإرهاب، في زمنٍ كان الخوف هو الحاكم الفعلي.
بل حتى الأراضي التي مُنحت لنا سابقًا بموجب القرار رقم ١٦٨ لسنة ٢٠١٤ الخاص بالموظفين المدنيين الذين قاتلوا داعش وبكتاب رسمي، تم سلبها منا للأسباب ذاتها، في حين استلم الآخرون حقوقهم كاملة ممن كان معنا بنفس الكتاب— بل إن بعضهم ممن لم يشارك في القتال، بل ظلّ نائمًا في بيته، حصل على أرضٍ بلا وجه حق خلال حكومة الكاظمي وما بعدها.
أي قانون هذا الذي يُنفذ على البعض ويُستثنى منه البعض الآخر؟
وأي عدالة تلك التي تُكافئ المتخاذل وتحرم من ثبت في وجه الخطر؟
الصورة التي التقطناها يوم 6 حزيران 2023 ليست مجرد ورقة إدارية؛
إنها شاهد على ظلمٍ واضح، ودليل لا يُمكن نكرانه بأننا كنا ضمن المشمولين رسميًا قبل أن تطالنا المقصّات السياسية.
فيها تاريخنا، وحقنا، وأسماؤنا التي مُسحت لاحقًا، لكن بقي أثرها محفورًا في الذاكرة والوثيقة.
نحن الثلاثة، أصحاب التسلسلات (92، 93، 94)، نقولها بوضوح:
لسنا طلاب صدقة، ولا متسولين على أبواب المسؤولين،
بل أصحاب حقٍ شرعي وقانوني مثبت بالأمر التشريعي رقم ٢١ لسنة ٢٠٠٥،
وموثق رسميًا في قوائم الأمانة العامة لمجلس الوزراء.
إن سلب الحقوق بسبب خلافات سياسية هو عار على مؤسسات الدولة،
وإهانة لآلاف الموظفين الذين أفنوا أعمارهم في خدمة العراق.
فـالخلاف مع رئيسٍ سابق يُحلّ في القضاء، لا على حساب موظفين شرفاء خدموا بصدق.
فالوظيفة العامة ليست إرثًا سياسيًا، والولاء للوطن لا يُقاس بزمن الرئيس، بل بصدق النية والإخلاص في العمل.
لقد صمدنا يوم كان الخوف سيد الموقف،
ولن نصمت اليوم حين يُسلب حقنا تحت شعار “الاختلاف السياسي”.
وستبقى هذه الصورة المرفقة — صورة القائمة المؤرخة في 6/6/2023 —شاهدًا على أن أسماءنا كانت هنا… قبل أن تشطبها السياسة.
 
															 
								 
															


 
								 
								 
								 
								 
								 
								 
								 
								 
								