يشهد الجنوب اللبناني فصلاً جديدًا من فصول العدوان الصهيوني المستمر، حيث لم يعد القتل العشوائي أو استهداف المدنيين ومعدات البناء حدثًا طارئًا، بل أصبح سياسة ممنهجة ترعاها القيادة العسكرية والسياسية الإسرائيلية على السواء.
فقد تمادت آلة الحرب الإسرائيلية في تنفيذ عمليات اغتيال واعتقال ممنهجة ضد المدنيين العزّل، فعلى سبيل المثال لا الحصر بدأت جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية باختطاف إبن الشهيدة تَمَارا الشحيمي بعد أصابته، والعديد من المواطنين حين حاولوا في 26 كانون الثانى/يناير 2025 العودة إلى قراهم الأمامية؛ وقد إغتال العدو الشهيدة تمارا و10 آخرين في اليوم الأول َبعد وقف إطلاق النار بدم بارد في مشهدٍ يجسّد انعدام أي وازعٍ إنساني أو قانوني لدى جيش الاحتلال.
ولو تم محاسبة هذا العدو في ذلك اليوم لما تجرأ على مواصلة جرائمه.
وفي سياق الجرائم المتواصلة، سُجّلت مجزرة بنت جبيل التي أودت بحياة الأب وطفلين توأمين وطفلة أخرى ولا تزال الوالدة وابنتها الكبرى قيد العلاج، ولم يتوقف إقتراف الجرائم بدم بارد بوحشية لا مثيل لها عند هذا الحد؛ بل إنتظر العدو زوجة جريح بيجر وهو كفيف لستقل سيارتها وفجروها في مكان مدني في زبدين. وكذلك كثفت قوات العدو مؤخرًا جرائم حربها في تولين وحاروف والنبي شيت وغيرها في تحدٍ صارخ لكافة القوانين والمواثيق الدولية التي تمنع إستهداف المدنيين وحتى المقاتلين إذا كانوا خارج الجبهة، ولا يحملون أي سلاح. كما استهدف العدو كافة انواع الحفارات (البوكلين)، البوب كات
والجرافات. كما استهدفت الغارات ورش تصليح المعدات الثقيلة ومراكز بيعها كما حصل في بلدتي أنصارية ومصيلح.
ولم تنجُ مراكز قوات الطوارئ ( اليونيفيل) وآلياتها من العدوان الإسرائيلي.
هذه الجرائم التي تتعمّد تدمير الآليات والمنازل في مختلف قرى الجنوب والبقاع وحتى الهرمل ، تمثّل خرقًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف التي تحظر استهداف المدنيين والممتلكات غير العسكرية.
ورغم هول ما يجري، لم تتحرك الحكومة اللبنانية بما يتناسب مع خطورة الموقف، ولم تبادر إلى تقديم شكوى رسمية أمام المحكمة الجنائية الدولية، أو محكمة العدل الدولية بعد خطورة تجاهل مجلس الأمن الشكوى اللبنانية الَمقدمة ضد العدوان، على مركز ومعرض بيع الَمعدات الثقيلة، وقطع الغيار في المصيلح.
وكأن دماء الأبرياء لا تستحق المتابعة ومحاسبة القتلة مهما كلف الأمر ؛ وإن التذرّع بالحسابات السياسية أو الضغط الدولي لا يبرّر هذا الصمت المخزي، خصوصًا وأن الاحتلال يتعامل مع الجنوب كمنطقة مفتوحة للقتل والإرهاب والاختطاف الميداني، من دون أي رادعٍ أو مساءلة.
إنّ التفاوض في ظلّ الاحتلال والقتل والاختطاف، لا يُمكن أن يكون إلا استسلامًا بلغةٍ دبلوماسية مُنمّقة؛ فلا يمكن بناء أي مسار تفاوضي بينما تُنتهك السيادة ويُقتل المواطنون وتُقصف القرى يوميًا. فالقانون الدولي واضح في توصيف الاحتلال الإسرائيلي لأجزاء من الجنوب اللبناني كـ”حالة حرب مستمرة”، ما يُحتّم على الدولة أن تمارس حقّها المشروع في الدفاع عن النفس، وأن تطالب المجتمع الدولي بتحمّل مسؤولياته القانونية والأخلاقية في وقف هذه الجرائم.
ولكن “حين يختار البعض الصمت أمام الدم، يصبح الكلام مقاومة، والموقفُ شرفًا يُقاس بقدر الوجع لا ببرودة السياسة.”
وإنّ ما يجري في الجنوب ليس مجرد تصعيدٍ عسكري بل جريمة موصوفة تُرتكب على مرأى العالم. لذلك، فإنّ أي مفاوضات أو تسويات تحت نيران الاحتلال لا تمثّل إلا مكافأة” للمجرم وتشجيعًا له على التمادي.
فالمطلوب موقف وطنيّ حازم، يُعيد تعريف العلاقة مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن على أساس العدالة لا التبعية، ويرسّخ مبدأ أن الكرامة والسيادة لا تُساوَم، وأن دماء تَمَارا الشحيمي وأطفال بنت جبيل وزبدين وتول وحاروف والنبي شيت وُستبقى شاهدًا على أن التخاذل في مواجهة الجريمة هو جريمة أخرى لا تقلّ خطورة عنها.
ولا بد من التذكير بأن جرائم الحرب لا تموت بالتقادَم؛ ويجب على المجرم أن يدفع ثمن جرائمه مهما طال الزمن.
وإن غدًا لناظره قريب
 
															 
								 
															


 
								 
								 
								 
								 
								 
								 
								 
								 
								