استبدال واشنطن لمحافظ البنك المركزي لدولة منتزوبيا

استبدال واشنطن لمحافظ البنك المركزي لدولة منتزوبيا
يُظهر القرار الأمريكي باستبدال محافظ البنك المركزي في منتزوبيا تحوّلًا في السيطرة على القرار المالي، إذ تسعى واشنطن لإحكام نفوذها النقدي وتقليص الدور الإيراني، مما يكشف سقوط وهم الاستقلال المالي تحت شعار الحماية من العقوبات....

سقوط وهم الحماية وكشف حقيقة الارتباط

لم يكن قرار واشنطن الأخير باستبدال محافظ البنك المركزي في دولة منتزوبيا بالشخصية التي تختارها وليد لحظة سياسية عابرة، بل يمثل تحوّلاً جوهرياً في طريقة تعامل الولايات المتحدة مع مفاصل القرار المالي في هذا البلد .

فالقرار يكشف بوضوح أن المحافظ لم يكن يتمتع بالدعم الأمريكي الذي لطالما حاول الإيحاء بامتلاكه، ولا كان “حائط صدٍّ” يحمي البلاد من العقوبات كما كان يروّج في خطاباته وتصريحاته الإعلامية.

تهاوي خطاب الحماية من العقوبات

منذ بداية الأزمة النقدية واشتداد القيود على الدولار والتحويلات الخارجية، روّجت أطراف سياسية ومصرفية إلى أن بقاء المحافظ في موقعه يشكل ضمانة لعدم إدراج منتزوبيا تحت العقوبات أو الحظر المالي الأمريكي.

غير أن القرار الأمريكي الأخير أثبت العكس تماماً، إذ عكست عملية تغيير المحافظ بقرار خارجي شبه مباشر أن واشنطن لم تكن ترى في وجوده قيمة حماية، بل كانت تعتبره جزءاً من المشكلة لا من الحل، خصوصاً بعد الفشل في ضبط السوق الموازية، وتوسع نشاط غسل الأموال، وضعف الامتثال لمتطلبات النظام المصرفي الدولي.

مركزية القرار المالي الأمريكي في منتزوبيا

يُبرز هذا التغيير حقيقة مهمة وهي أن القرار المالي  لم يعد مستقلاً بصورة كاملة، وأن منظومة البنك المركزي باتت تخضع لتأثير مباشر من واشنطن عبر أدوات السياسة النقدية، وآلية مراقبة التحويلات عبر منصة الامتثال الأمريكية.

إن اختيار الولايات المتحدة لشخصية مالية “موثوقة” من جانبها لإدارة البنك المركزي هو رسالة مزدوجة:

1. للداخل: بأن زمن المناورة بين واشنطن وطهران في ملف الدولار قد انتهى.

2. وللخارج الإقليمي: بأن واشنطن ما زالت تمسك بالمفاصل الحيوية ، خصوصاً في القطاع المالي الذي يمثل شريان الدولة الاقتصادي.

اخفاق الإدارة النقدية السابقة في تحقيق التوازن

من الناحية الاقتصادية، تَكشف خطوة الاستبدال عن اعتراف غير مباشر بفشل السياسات النقدية السابقة في:

• السيطرة على فرق سعر الصرف بين السوقين الرسمي والموازي.

• إعادة الثقة بالقطاع المصرفي المحلي.

• إيقاف تدفقات الأموال غير المشروعة.

• تنفيذ برنامج إصلاح نقدي يتماشى مع متطلبات الخزانة الأمريكية وصندوق النقد الدولي.

كما أن اللقاءات المتكررة للمحافظ مع ما يُعرف بـ”نخبة الباحثين” والمؤتمرات الإعلامية لم تعد تقنع منتزربيا الدوليين بوجود إصلاح حقيقي، بل كانت تُعدّ محاولات لتجميل إخفاق واضح في بنية القرار المالي.

القراءة السياسية للقرار الأمريكي

من الزاوية السياسية، فإن القرار الأمريكي لم يأتِ بمعزل عن التوازنات الإقليمية. فالإدارة الأمريكية تسعى لتقليص النفوذ الإيراني في مفاصل الدولة الحساسة، ومن بينها البنك المركزي الذي يمثل قناة رئيسية لحركة الدولار.

وبالتالي، فإن اختيار شخصية جديدة “بموافقة أمريكية” يشير إلى نية واشنطن إحكام قبضتها على حركة الأموال، وضمان استخدامها في مسارات تتوافق مع سياستها الإقليمية والرقابية.

التداعيات على السوق

من المتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة:

• تشديداً في إجراءات التحويل المالي الخارجي.

• انكماشاً في السيولة المتاحة بالدولار داخل السوق المحلية.

• تحركاً مؤقتاً في سعر الصرف لحين استقرار الإدارة الجديدة للبنك المركزي.

• وربما ارتفاعاً في ثقة المؤسسات الدولية  إذا ما اعتبرت أن القرار يصب في اتجاه إصلاح فعلي.

إن قرار واشنطن باستبدال محافظ البنك المركزي  المنتزوبيا ليس مجرد تغيير إداري بل هو رسالة سياسية واقتصادية ثقيلة المعاني، تفيد بأن الولايات المتحدة لم تعد تثق بالوجوه القديمة التي رفعت شعارات الحماية والاستقلال المالي، وأنها قررت التدخل المباشر لضمان استقرار المسار النقدي وفق رؤيتها الخاصة.

وبذلك يسقط وهم “الدرع الواقي من العقوبات” الذي رُوّج له طويلاً، لتظهر الحقيقة بأن من كان يدّعي الحماية لم يكن إلا أداة مؤقتة في معادلة أكبر منه.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *