من الخليج إلى أوروبا: لعبة “البعبع” الأميركي وسيناريو السقوط

من الخليج إلى أوروبا: لعبة “البعبع” الأميركي وسيناريو السقوط
تمّ إنشاءُ أعداءٍ مفترضين لدعم تبعية الحلفاء، فبدلاً من إيران في الخليج، بات الخطر الروسي-الصيني يُسوَّق لأوروبا، لكنّ بداية تمردٍ أوروبي، مع إسبانيا كمثال، تشير إلى تغيّر في توازن النفوذ الأميركي–الإسرائيلي....

منذ عقود طويلة، أتقنت الولايات المتحدة لعبة صناعة الأعداء الوهميين للحفاظ على تبعية حلفائها. في الخليج، كان “البعبع” هو إيران. جرى تغليف الصراع بطابع طائفي، وتحويل العداء من إسرائيل إلى الشيعة، فامتلأت العقول بفكرة أن الخطر الحقيقي يأتي من طهران لا من تل أبيب. بهذه المعادلة، تحولت دول الخليج إلى كيانات مرعوبة، تدفع مليارات الدولارات مقابل حماية وهمية، بينما إسرائيل تقصف وتُهين، وأميركا تكتفي بجمع الأموال وتقديم الغطاء السياسي لتل أبيب.

اليوم يعاد إنتاج المشهد نفسه مع أوروبا. فكما صُنعت أسطورة “الخطر الإيراني” للعرب، صُنعت أسطورة “الخطر الروسي – الصيني” للأوروبيين. والنتيجة واضحة: أوروبا تُستنزف في حرب أوكرانيا، تتعرض لأزمات طاقة خانقة، واقتصاداتها تنزف في سباق تسلح يخدم واشنطن وحدها.

لكن ما يميز أوروبا عن الخليج أن هناك بوادر تمرد بدأت تظهر من الداخل. إسبانيا مثال صارخ على ذلك: فقد أنهت صفقة أسلحة ضخمة مع إسرائيل بمئات الملايين من الدولارات، أوقفت أي تعاون عسكري كان يُعتبر استراتيجيًا، وتطالب اليوم الاتحاد الأوروبي بطرد منتخب إسرائيل من جميع البطولات القارية، بل وهددت بانسحاب منتخبها الوطني لكرة القدم إن لم يتم اتخاذ هذا القرار. هذا الموقف يضع مدريد في خانة الدول التي بدأت تخرج عن الخط الأميركي–الإسرائيلي التقليدي، كما فعلت بعض دول آسيا التي قطعت علاقتها بالكامل مع تل أبيب وأعلنت رفضها لأي شكل من أشكال التطبيع.

هذه التحركات تكشف أن منظومة التبعية الغربية لم تعد متماسكة كما كانت. فآسيا كانت أول من قفز من المركب قبل الغرق، وإسبانيا قد تكون الشرارة الأولى داخل أوروبا. ومع تصاعد الضغوط الاقتصادية والانقسامات السياسية، من غير المستبعد أن نشهد مزيدًا من الدول الأوروبية تعيد حساباتها وتخرج تدريجيًا من دائرة الهيمنة الأميركية–الإسرائيلية.

المعادلة اليوم خطيرة: أميركا بلا أوروبا مجرد قوة معزولة، وأوروبا بلا أميركا قارة هشة. كلاهما يستهلك الآخر من الداخل، والنتيجة قد تكون انهيارًا متبادلًا.

عام 2030 قد يشكّل نقطة تحول استراتيجية كبرى: تفكك التحالفات التقليدية، تراجع النفوذ الأميركي، انكماش الدور الإسرائيلي في القارة الأوروبية، وصعود قوى جديدة من آسيا وأوراسيا ترسم موازين قوى مختلفة لعالم متعدد الأقطاب.

التاريخ يعيد نفسه، لكن الضحايا يتغيرون:

  • بالأمس كان الخليج أسير “بعبع إيران”.
  • واليوم أوروبا أسيرة “بعبع روسيا والصين”.
  • أما الغد، فقد تحجزه آسيا وإسبانيا كأول الخارجين من اللعبة الأميركية قبل أن تغرق السفينة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *