أولاً : الصراع السني–السني: «المدخلية» المدعومة سعودياً في مواجهة «الإخوان» المدعومين قطرياً وتركياً
1.الخلفية العقائدية والسياسية
– تُصنَّف الحركة المدخلية (الجامية) ضمن السلفية «الموالية للسلطة»؛ تُكفّر الخروج على الحاكم وتُحرّم التظاهر المسلح.
– الإخوان المسلمون يرون «العمل السياسي» مشروعاً، ويقبلون التحالف مع أنقرة والدوحة، ما يجعلهم منافساً مباشراً في الاستحواذ على «الشارع السني» داخل المحافظات السنية وبعض المناطق السنية في بغداد.
2.أدوات التنافس
– المداخلية تعتمد مساجد «الهداية والإرشاد» من خلال بناء ٥٠٠٠ مسجد متوزع بشكل جغرافي محيط بالمدن و تمولها أموال خليجية لتقديم خدمات اجتماعية مقابل الولاء رغم أن طرائق التمويل لم تكشف بعد.
– الإخوان يمتلكون شبكة مدارس ومستشفيات تركية، ويتحكمون بجمعيات إغاثية قطرية تُنفق تحت شعار «التنمية المجتمعية».
3.التحوّل إلى صراع انتخابي-أمني
قرار حظر المدخلية (أبريل 2025) أظهر أن المعركة تجاوزت المنابر؛ فقد استُخدم التصنيف الأمني «مصدر عالي الخطورة مستقبلاً» لتجريد الخصم من أوراقه الانتخابية، بينما يردّ أنصار المداخلة باتهام الدولة والفصائل الشيعية «بالتصفيّة السياسية» لصالح الإخوان وجماعة «الرباط المحمدي» المقرّبة من طهران بحسب رأيهم ؛ بذلك يتحوّل الصراع السني–السني إلى جزء من توازن القوى الشيعية نفسها.
ثانياً
خطر المدخلية على الأمن القومي: دروس القاعدة و«داعش»
1.السجل التاريخي
– عام 2007 أفتى زعيم المداخلة في العراق أبو منار العلمي بتحريم قتال الأميركيين، ما منح الحركة «شرعية بقاء» في مساجد الدولة، لكنه أتاح لها أيضاً التغلغل الأمني وتجنيد شباب «تحت راية الشرعية».
– استغلّت القاعدة ثم «داعش» الفراغ الذي خلفه هذا «التحييد»؛ إذ أصبحت مساجد المداخلة نقاط مراقبة وتجنيد لاحقاً بعد أن أضعفت الثقة بالمؤسسات الرسمية.
2.مخاطر تكرار السيناريو
– بناء تشكيلات أمنية موازية (شركات حماية) يُعيد إنتاج «الميليشيا الدعوية» التي يصعُب مراقبة أموالها ومصادر سلاحها.
– الاعتماد على فتاوى «طاعة ولي الأمر حتى وإن كان كافراً» يجعل الحركة أداة طيعة في يد أي طرف إقليمي قد تراه الحركة هو من يمثل ولي الأمر و يريد تثبيت حكومة ضعيفة أو إسقاط معارضة سياسية، ما يُفقد الدولة احتكار القوة ويُضعف هيبتها.
3.تقدير المخاطر الاستراتيجية
– ماذا لو أعتمدت السعودية على المداخلة لحماية استثمارات بادية السماوة يعني وجود قوة «غير خاضعة للقيادة العسكرية» على طول الطريق البري الرابط بين البصرة–كربلاء–السماوة، أي قلب جنوب المحافظات الشيعية.
– أجهزة الاستخبارات العراقية ترى أن أي انقلاب داخلي أو اغتيالات سياسية قد تستعصي على التتبع إذا ما استُخدمت هذه الحركة «الدعوية» غطاءً لوجستياً أمنياً مثل أن تكون شركة حماية أمنية.
ثالثاً
سيناريو الاستثمار الأمني: هل مشروع بادية السماوة قاعدة للمداخلة جنوب الشيعة؟
1.الموقع الجغرافي الحسّاس
يشرف المشروع المطلوب تنفيذه من قبل السعودية على الطريق السريع (البصرة–السماوة–النجف)، ويبعد 60 كم عن الحدود السعودية و120 كم عن آبار الرميلة النفطية، أي أن أي توتر داخلي يُمكن أن يُعطّل التصدير النفطي ويُهدّد خط الأنابيب الاستراتيجي.
2.آلية الدعم الاقتصادي–الأمني
– تُدار المرافق الزراعية والصناعية من شركة استثمارية سعودية–إماراتية، بينما تُؤمَّن وحدات التصنيع والمخازن من قبل شركة حماية خاصة وقد تستثمر السعودية أفراد الحركة المدخلية ليكونوا هم عناصر تلك الشركات الأمنية وبذلك يصبح لهم غطاء تمويل إقتصادي وغطاء أمني للتحرك وتنفيذ العمليات.
– يُمنح العناصر رواتب مجزية قد تصل إلى (ضعف أجور الجيش) وسكناً داخلياً داخل البادية، ما يُنتج تجمعاً سكانياً مسلحاً موالياً لمرجعية غير مركزية داخل محافظة شيعية وقد يؤثر ذلك بسبب البطالة على الشباب الشيعي للعمل في تلك المشاريع بسبب المبالغ الضخمة وقد يتم إستقطابهم مما يحدث تغيير عقائدي لديهم قد يتحول إلى تغيير ديمغرافي في تلك المحافظة (المثنى).
3.التأثير المتوقّع
– أمنياً: وجود قوة غير خاضعة لسلطة الحكومة يُحدث ثغرة استخبارية يمكن استخدامها لتهريب السلاح أو جمع معلومات عن تحركات الفصائل المقاومة وقياداتها مما قد يؤدي إلى عمليات أغتيال لا سمح الله.
– سياسياً: إنشاء كتلة موالية سنيّة داخل جيب شيعي يُعقّد أي توافق محلي على توزيع المناصب الأمنية أو المالية، ويمنح الرياض أوراق ضغط في أي مفاوضات مستقبلية مع بغداد.
– اقتصادياً: السيطرة على ممر تصديري مهم (بادية السماوة–السعودية) قد يعرقل المضي في إتمام مشروع طريق التنمية.
*خلاصة وتوصيات
- إلزام أي مستثمر أجنبي بإخضاع عناصر الأمن لقيادة الفرقة المسؤولة جغرافياً، ورفع تقارير دورية إلى خلية الأزمة الوطنية.
2.تشريع قانون يحدّد نسبة العراقيين في أي شركة حماية خاصة (80% على الأقل) ويُخضع رواتبهم لإفصاح وزاري.
3.إنشاء هيئة وطنية عليا للاستثمار الاستراتيجي تُقرّر مدى ملاءمة المشاريع ذات الطابع الأمني أو القريبة من الموانئ والآبار النفطية.
4.دعم صندوق تنمية محلي في المثنى يُمكّن شباب المحافظة من المنافسة الاقتصادية، لتقليل الاستقطاب الطائفي والحد من جاذبية التطرف بأي شكل.
*إذا لم يُعاد ضبط هذا المزيج من المال الدعوي والسلاح الخاص، فإن جنوب العراق قد يستفيق على تكرار سيناريو «الميليشيات المذهبية»، لكن هذه المرّة داخل البيت الشيعي نفسه، والأدوات ستكون اقتصادية في الظاهر وأمنية في الباطن.


