«بيعةُ الدمِ في الذكرى الأولى لإستشهاد سماحة السيد حسن نصر الله قدس سره الشريف :يا سيدي… وما زلتَ فينا »
في مثل هذا اليوم، قبل عامٍ كاملٍ من الدموع، كان القلبُ أكبر من الصدر. كنا نُصلّي ونبكي، ونُصلّي ونُقاتل، ونُصلّي وننتظر… لعلّ الخبرَ كذبةً، لعلّ الثمانون طن من القنابل لم تصِبْ روحاً كانت تُغنّي للمقاومةِ لحنَ الخلود.
لكنك رحلتَ كما تعشقُ: شهيداً.
ولم تترك لنا غيرَ وعدٍ واحد: أنك ستبقى.
وها نحن اليوم، في الذكرى الأولى لرحيلك، نكتشفُ أن الوعدَ لم يكن مجازاً، بل كان حقيقةً تَنطقُها كلُّ دمعةٍ في عينِ أمٍّ فقدتْ فلذةَ كبدها، وكلُّ قبضةٍ على الزنادِ في جبهةِ الجليل، وكلّ “لبيك يا نصرالله” تَصرخُها طفلةٌ في مخيّمٍ للنازحين.
يا سيدي، أنت لم تمت.
أنت الذي علّمتنا أن الموتَ ليس نهايةً، بل بدايةُ عهدٍ جديد.
وها نحن نجدّدُ اليوم بيعتنا لك، لكن ليس كما كنا.
اليوم نحن أقلُّ دموعاً، وأكثرُ رصاصاً.
أقلّ عويلاً، وأكثرَ صواريخاً.
أقلّ كلاماً، وأكثرَ عملاً.
تذكّرناكَ في كلّ سجدة من صلاة الليل، حيث تلامس الروح عطف خالقها.
وتذكّرناكَ في كلّ نبضةِ قلبٍ تحت القصف، وفي كل ليلة فيها رُعب حيث كان الأطفالُ يضمّون صوركَ تحت الوسائد ليشعرون بالطمئنينة، كأنك آخرُ درعٍ بشريٍّ بقي لهم.
وتذكّرناكَ في كلّ صباحٍ تشرق فيه الشمسُ على جرحٍ لم يندمل، فنقول: هذا الجرحُ لا يشفى إلا برؤية وجهُكَ المبتسم.
يا من علّمتنا أن “الجهاد لاتحصره الحدود الجغرافية ، بل أن الحرية هي جغرافية القضية “.
نقول لكَ اليوم:
إنّ قضيتكَ لم تمتْ ، بل تكاثرتْ كما البذور في ترابٍ دمّرتهُ الطائرات، فإذا بكلّ قطرةِ دمٍ منكَ شجرةُ حريرٍ تُظلّلُ عينَ العدوِّ بالرعب.
نحن لا نُقيمُ مجلسَ عزاءٍ، نحن نُقيمُ مجلسَ ولاء.
لا نبكيكَ كما يبكونَ المنتهين، نبكيكَ كما يبكونَ المُنتظرين.
نبكيكَ حتى ترتدَّ الدموعُ رصاصاً في صدورِ من ظنّوا أنّ اغتيالكَ اغتيالٌ للقضية.
يا سيدَنا، في كلّ مرةٍ يَطلّ فيها العدوُّ برأسهِ من وراء الجدار، نسمعُ صوتكَ يقول: “إنّا منتصرون” فنجيبك “إنا على العهد”.
وفي كلّ مرةٍ ينامُ فيها طفلٌ يتيمٌ على صدرِ أمهِ المجاهدة، نرى وجهكَ في حلمِه الأخير، يقول له: “لا تخف، فأنا حارسُكَ إلى يومِ النصر”.
إنا على العهد
نحن لا نُجدّدُ البيعةَ لأننا نخافُ النسيان،
نُجدّدُها لأننا اكتشفنا أنّ البيعةَ لك
ليست تعهّداً بك، بل تعهّداً بأنفسنا أن نكونَ أهلاً لك.
أن نكونَ تلاميذكَ الذين لم يُسقطوا في درسَ “الصبرِ حتى النصر”.
نحن أبناءكَ الذين يعرفون أنّ الشهيدَ لا يموت، بل يُصبحُ قنديلاً في ليلِ الأمةِ الطويل.
نحن اليوم، نُصلّي عليكَ لا استسقاءً، بل استشهاداً جديداً.
نُقبّلُ ترابكَ لا حُزناً، بل عهداً أنّ هذا الترابَ سيُنبتُ منه ألفَ حسنٍ جديد.
فيا سيدَنا وقائدَنا ومعلّمَنا، ها أنتَ فينا، لا كذكرى،بل كعملٍ مستمر.
في كلّ قلبٍ يُقاتل، وفي كلّ يدٍ تبني،وفي كلّ عينٍ تبكي وتضحكُ في آنٍ،
لأنها عرفت أنّ البكاءَ والضحكَ
وجهانِ لعملةٍ واحدةٍ اسمها:الحريّة.
ونحن، ما زلنا نُجدّدُ البيعةَ لك،
لكن ليس بالكلام.
بل بصمتِنا الذي أصبحَ أقوى من صواريخِنا.
وبصبرِنا الذي أصبحَ أسرعَ من زمنِهم.
وبدمائنا التي أصبحتْ أغلى من أمنياتِهم.
فيا سيدي، إنّا على العهدِ باقون، حتى يعودَ طفلُ الجنوبِ يُغنّي “على التلال”
ختاماً وأن لم يكن في بطاقتي الشخصية أسمي حسن فمن اليوم…
“أسمّي حسنٌ، ولا أمت إلا شهيداً” أن شاء الله.


