مشروع ممر داوود: طموح استعماري وتفكيكي من النيل إلى الفرات وارتباطه بالممر الهندي

مشروع ممر داوود: طموح استعماري وتفكيكي من النيل إلى الفرات وارتباطه بالممر الهندي
ممر داوود مشروع توسعي يخدم الهيمنة الصهيونية من النيل إلى الفرات، مرتبط بممر الهندي، يستهدف محور المقاومة، ويهدد وحدة العراق وسوريا ولبنان، مدعوم أمريكياً، عبر أدوات اقتصادية وطائفية وإرهابية، لتقويض الصين وإضعاف المقاومة...

مقدمة:

مشروع “ممر داوود” ليس مجرد خطة بنية تحتية، بل هو رؤية جيوسياسية توسعية تعكس الحلم الصهيوني القديم بإنشاء كيان يمتد من النيل إلى الفرات. يتقاطع هذا المشروع بشكل خطير مع مشاريع أخرى، أبرزها “الممر الهندي-الأوروبي” (IMEC)، ويهدف إلى إعادة تشكيل خريطة المنطقة لخدمة مصالح الكيان الصهيوني وحلفائه، على حساب شعوب المنطقة ومقاومتها.

  • نقطة الانطلاق- الكيان الصهيوني – نقطة النهاية- الهيمنة الإقليمية:

*الانطلاق: ينطلق المشروع جذرياً من الأيديولوجيا الصهيونية التوسعية التي تسعى لـ “أرض الكيان الصهيوني الكبرى”. أما عملياً، فيتخذ شكل مشاريع نقل وطاقة واتصالات تربط الكيان الصهيوني بدول الجوار (مصر، الأردن) وتمتد من سوريا نحو العراق، ثم دول الخليج لاحقاً.

*النهاية: الهدف النهائي هو ترسيخ الكيان الصهيوني كـ “دولة مركز” إقليمية، مهيمنة اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً على منطقة غرب آسيا، مستغلاً ثرواتها وممراتها الحيوية، ومحققة حلم “من النيل إلى الفرات” بشكل غير مباشر عبر الهيمنة وليس بالضرورة الضم المباشر الكامل.

  • الارتباط العضوي بالممر الهندي-الأوروبي (IMEC):

*التكامل الاستراتيجي: يُطرح مشروع ممر داوود غالباً كـ “فرع” أو مكمل للممر الهندي-الأوروبي الذي أعلن عنه في قمة G20 في الهند (2023). بينما يركز IMEC على ربط الهند بأوروبا عبر السعودية والأردن وإسرائيل، فإن “ممر داوود” يتوسع ليشمل مصر بشكل أعمق ثم سوريا والعراق.

  • الأهداف المشتركة للممر الهندي وممر داوود:

*تجاوز الممرات التقليدية: هدفهما معاً هو تقليل الاعتماد على قناة السويس ومضيق هرمز وممرات أخرى قد تخضع لتأثير دول تعادي المصالح الغربية-الصهيونية (مثل إيران).

*عزل إيران: خلق شبكة مواصلات وطاقة بديلة تعزل إيران وتقلل من أهميتها الجيوسياسية.

*تعزيز التطبيع: استغلال المشاريع الاقتصادية الضخمة لتوطيد وتوسيع عملية التطبيع بين الكيان الصهيوني والدول العربية، وتقديمها كـ “منفعة للجميع”.

*خدمة الكيان الصهيوني: جعل الكيان الصهيوني محوراً لا غنى عنه في التجارة والطاقة بين آسيا وأوروبا، مما يعزز مكانته الاقتصادية والأمنية.

  • التأثير المدمر على مشروع طريق الحرير الصيني:

*منافسة مباشرة: يمثل ممر داوود والممر الهندي مشروعين بديلين ومنافسين رئيسيين لمبادرة الحزام والطريق الصينية في المنطقة.

*تقويض النفوذ الصيني: يهدفان إلى تقليص اعتماد دول المنطقة على الصين وقطع الطريق على تعميق التعاون الاقتصادي والسياسي بينها وبين بكين، خاصة مع الدول التي تقاوم الهيمنة الغربية-الصهيونية.

*إعادة تشكيل التحالفات: دفع الدول العربية للانحياز أكثر نحو المحور الغربي-الصهيوني-الخليجي على حساب علاقاتها مع الصين وروسيا.

  • التهديد الخطير لمحور المقاومة:

يشكل مشروع ممر داوود تهديداً وجودياً لمحور المقاومة بقيادة إيران:

-حزب الله (لبنان):

*تطويق اقتصادي: عزلة اقتصادية أكبر للبنان عبر تعزيز مشاريع تجاوزه.

*ضغط مالي: حرمان الحزب من مصادر التمويل المحتملة عبر الممرات التقليدية.

*ذرائع للعدوان: قد يستخدم الكيان الصهيوني حماية “الممرات الحيوية” كذريعة لشن هجمات على لبنان أو التهديد بغزو واسع.

-المقاومة الفلسطينية:

*تصفية القضية: تسريع مشاريع التطبيع والتوطين على حساب الحقوق الفلسطينية، ودفع القضية نحو الهامش.

*عزل جغرافي: تعميق عزلة غزة والضفة الغربية مع تعزيز روابط الكيان الصهيوني مع جيرانه العرب.

*قضم الأرض: قد تستخدم البنى التحتية للمشروع كذريعة لمصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية أو الإحتلال الشامل.

-فصائل المقاومة الشيعية العراقية:

*تفتيت العراق: تعزيز التقسيم الطائفي والعرقي داخل العراق، مما يضعف الدولة المركزية ويشغل المقاومة بالصراعات الداخلية.

*تهديد المصالح: تقويض العلاقات الاقتصادية بين العراق وإيران، وتقليل نفوذ الفصائل المقاومة المرتبطة بإيران.

*اختراق السيطرة: محاولة إشراك العراق الرسمي في المشاريع الاقتصادية للممر عبر وسطاء، مما قد يضعف موقفه المعادي للكيان الصهيوني.

  • أداة رئيسية للتقسيم الطائفي والعرقي:

*إدامة الفوضى: يعتمد نجاح المشروع على استمرار حالة الضعف والتفتت في دول مثل سوريا والعراق ولبنان. فهو يتغذى على الصراعات الطائفية والعرقية.

*تعزيز الكيانات الفرعية: دعم الكيانات الانفصالية أو شبه المستقلة (كردية في العراق وسوريا، طائفية في لبنان) لخلق كيانات صغيرة أسهل في السيطرة عليها وربطها اقتصاديًا بالكيان الصهيوني والمحور الغربي.

*إضعاف الدولة القومية: تآكل فكرة الدولة العربية الموحدة القوية لصالح دويلات طائفية وعرقية متناحرة، يسهل اختراقها والتحكم فيها.

سوريا تحت سيطرة الجولاني: عقدة وحل لتنفيذ المشروع!

*الوضع المأساوي: سوريا، بعد سقوط النظام، تعاني من الدمار. أما شمال شرق سوريا، فيسيطر عليه قوات قسد المدعومة أمريكياً وصهيونياً، أما حكومة الجولاني فهي تدير فعلياً بعض الجماعات الإرهابية بصيغة رجال دولة، العقدة أن هذه الجماعات هي ليس على قلب رجل واحد، ومنها من أعلن برائته من الجولاني وأنشق، الحل أن أغلب هذه الجماعات تنتمي إلى طائفة واحدة ومعتقد واحد وهم السنة الأمويين فمن السهل توجيههم الطائفي بإتجاه معين وهذا ما حصل بالضبط بمهاجمتهم المسيحيين وكذلك العلويين والآن الدروز، مما يخلق فجوة عرقية طائفية لتأسيس أرضية خصبة لتقسيم سوريا.

*دور الجولاني: تُشير تقارير عديدة إلى تواطؤ الكيان الصهيوني والأميركان مع الجولاني وعصاباته، واستخدامها كورقة ضغط وبؤرة إرهاب تخدم أهدافاً معينة.

*الارتباط الأمريكي-الصهيوني: تُوجه اتهامات قوية لأمريكا (خاصة في عهد ترامب الذي أظهر دعمه الواضح للكيان الصهيوني ولنتنياهو) وللكيان الصهيوني نفسه بتقديم دعم مباشر للجولاني برفعه هو وعصاباته من قائمة الإرهاب هذا “التسامح” يخدم أهدافاً مشتركة، لتنفيذ هجمات إرهابية أكثر على الأقليات في سوريا، وكذلك قد تستخدم العشائر السنية لتأمين طريق ممر داوود المحاذي للحدود السورية العراقية.

*منع استقرار سوريا: إبقاء سوريا ضعيفة ومقسومة، عاجزة عن استعادة أراضيها أو المقاومة.

*توفير ذريعة: وجود “الإرهاب” في سوريا و الأضطرابات و أن كان من جماعات الجولاني يعتبر حجة لتبرير الاحتلال الأمريكي لأجزاء من سوريا والعدوان الصهيوني المتكرر وفق الأهداف المشتركة بين الأطراف الثلاثة.

*عقبة أمام طريق الحرير: إعاقة أي إعادة إعمار لسوريا قد تمر عبر طريق الحرير الصيني أو عودة النفوذ الإيراني والروسي.

*تهديد محور المقاومة: وجود جماعة متطرفة على الحدود السورية اللبنانية محاذي لمناطق المقاومة في لبنان، وكذلك وجود نفس هذه الجماعات على الحدود السورية العراقية يشكل تهديداً أمنياً داخلياً للبنان والعراق على حد سواء.

الرعاية الأمريكية والصهيونية: ترامب ونتنياهو نموذجاً:-

*التحالف غير المقدس: شهد عهد ترامب ونتنياهو ذروة التعاون الوثيق بين الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني لدفع المشاريع التوسعية.

-دعم مباشر وغير مباشر:

* دعم لمشروع الممر: الضغط على دول عربية للتطبيع وتبني المشاريع المشتركة مع الكيان الصهيوني، وتقديم ضمانات ودعم سياسي.

*دعم للكيان الصهيوني: تقديم دعم عسكري وسياسي غير مشروط، والاعتراف بالقدس عاصمة والهضاب المحتلة كجزء منه.

*صناعة للفوضى الإقليمية: سياسات ترامب (المماطلة في الاتفاق النووي مع إيران، مساعدة الكيان بضرب إيران، التهديدات ضد العراق) زادت التوتر وزعزعت الاستقرار، وهو ما يخدم أجندة الكيان الصهيوني الرامية لتفكيك الدول المعادية لها.

*لتسويغ وجود الجولاني: الصمت النسبي عن تصرفات جماعات الجولاني الإرهابية خلال فترة ترامب ونتنياهو، والسماح له بالقصاص من الأقليات خطوة متفق عليها للمضي قدماً نحو التقسيم.

الخاتمة: مشروع هدم لا بناء

مشروع ممر داوود، بجوهره التوسعي وارتباطه بالممر الهندي ودعمه من قبل قوى استعمارية ورموز مثل ترامب ونتنياهو، ليس مشروعاً للتنمية. إنه مشروع جيوسياسي خطير يهدف إلى:

1.ترسيخ الهيمنة الصهيونية من النيل إلى الفرات عبر السيطرة الاقتصادية والأمنية.

2.تفتيت الدول العربية (سوريا، العراق، لبنان) إلى دويلات طائفية وعرقية متناحرة وضعيفة.

3.تصفية قضية فلسطين عبر التطبيع وعزل المقاومة.

4.ضرب محور المقاومة (حزب الله، المقاومة الفلسطينية، الفصائل العراقية) اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً.

5.مواجهة النفوذ الصيني والروسي في المنطقة عبر مشاريع بديلة مثل الممر الهندي.

6.استغلال الفوضى الناتجة عن الجماعات الإرهابية المدعومة ضمناً (كحالة الجولاني كرئيس إرهابي لإدارة الجمهورية السورية) لتحقيق أهداف مشتركة.

 

*مواجهة هذا المشروع الاستعماري الجديد تتطلب وعياً عميقاً بخطورته وخطواته، وتضامناً عربياً وإسلامياً حقيقياً، ودعماً متواصلاً لمحور المقاومة الذي يشكل خط الدفاع الأول عن الأمة ومقدساتها ومستقبلها ضد مشاريع التفتيت والهيمنة الصهيونية المدعومة غربياً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *