الدفاع الصامت، السيادة المنسية: الهجوم الإسرائيلي على إيران عبر الأجواء العراقية

الدفاع الصامت، السيادة المنسية: الهجوم الإسرائيلي على إيران عبر الأجواء العراقية
منذ اندلاع جولة التوتر الأخيرة في يونيو/حزيران 2025، نفّذت إسرائيل، ضمن ما سمّته عملية "الأسد الصاعد"، أكثر من 197 غارة جوية مؤكدة على أهداف عسكرية ونووية داخل إيران...

مقدمة

منذ اندلاع جولة التوتر الأخيرة في يونيو/حزيران 2025، نفّذت إسرائيل، ضمن ما سمّته عملية “الأسد الصاعد”، أكثر من 197 غارة جوية مؤكدة على أهداف عسكرية ونووية داخل إيران، مستهدفة منشآت استراتيجية مثل مراكز نطنز النووية، وقواعد الحرس الثوري، ومصافي النفط، بل وحتى أحياء مدنية في طهران. وقد أسفر هذا الهجوم حتى الآن عن مقتل وإصابة المئات من القوات العسكرية والمدنيين الإيرانيين، وخلّفت أضرارًا واسعة في البنية التحتية.

الأخطر في هذه الحملة هو استخدام إسرائيل كممر رئيسي للطيران للطائرات المسيرة والمقاتلات الإسرائيلية ووفقًا لتقارير منظمة OPSGROUP ومصادر إعلامية دولية، فقد تحوّلت الأجواء العراقية إلى ممر جوي آمن وخالٍ من التهديدات للطائرات الإسرائيلية أثناء تنفيذها لهجماتها على المنشآت الإيرانية. تستفيد تل أبيب من ضعف الدفاع الجوي العراقي لتزويد طائراتها بالوقود في الجو للهجوم على المنشآت الإيرانية ، ما يُعد انتهاكًا صارخًا لسيادة العراق الوطنية والإقليمية وعلى الرغم من تقديم الحكومة العراقية شكوى رسمية إلى مجلس الأمن ضد الكيان الصهيوني، إلا أن على المسؤولين العراقيين أن يدركوا أن منطق القوة هو الحاكم الحقيقي في العالم، وأن مثل هذه التحركات الدبلوماسية الشكلية لن تُفضي إلى نتيجة حقيقية.

هيكل الدفاع الجوي الهش في العراق

منذ توقيع الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة عام 2008، فقد العراق السيطرة الكاملة على أنظمته الرادارية والدفاعية، حيث تم تسليم إدارتها حتى عام 2032 لواشنطن. وتشير تقارير صادرة عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) إلى أن نحو 60٪ من التغطية الرادارية العراقية إما غير فعالة أو تحت السيطرة الأمريكية، ولا توجد آليات فعالة للرصد أو اعتراض الطائرات أو منع الاختراقات الجوية.

هذا الفراغ الدفاعي جعل سماء العراق منصة لانطلاق الغارات الإسرائيلية دون أي عوائق. والأسوأ من ذلك، أن الكوادر العراقية لا تملك صلاحية الوصول إلى بيانات أنظمة الدفاع الجوي مثل باتريوت Patriot وأفينجر Avenger، ما يجعل الأجواء مفتوحة أمام المقاتلات والطائرات الصهيونية دون أدنى مقاومة.

تحذير استراتيجي: العراق الهدف التالي لمشروع “من النيل إلى الفرات

ما يجري اليوم ليس مجرد عبور طائرات إسرائيلية في طريقها إلى أهداف داخل إيران، بل هو جزء من مشروع استراتيجي طويل الأمد تتبناه الصهيونية السياسية، ويستند إلى أيديولوجية “من النيل إلى الفرات، التي تمثّل طموحًا استعماريًا معلنًا يمتد من فلسطين إلى لبنان وسوريا والعراق. ووفقًا لمراكز بحثية غربية مثل مؤسسة RAND ومركز بيغن-السادات، تسعى إسرائيل إلى فرض طوق أمني وعسكري حول إيران ومحور المقاومة، مستهدفة الدول التي تعاني من ضعف دفاعي أو تعتمد على قوة خارجية ستتحول إلى جسر عبور ثم نقطة احتلال ناعمة.

العراق اليوم، بغياب دفاع جوي فعّال، أصبح هذا الجسر العابر، لكن هذا الدور لن يكون مؤقتًا. وفقًا لنمط السلوك الإسرائيلي في حالات مشابهة، فإن الدول التي تُستخدم كمنصات عبور تنقلب لاحقًا إلى أهداف مباشرة فور انخفاض قيمتها التكتيكية أو تحولها إلى تهديد محتمل للمصالح الصهيونية.

وتشير الشواهد إلى أن العراق دخل مرحلة خطيرة من فقدان السيادة الأمنية، من أبرزها:

  • حتى الآن تم تنفيذ أكثر من190  عملية عسكرية من خلل الأجواء العراقية ضد إيران دون رد فعل جاد من بغداد؛
  • لم تقم الولايات المتحدة، بصفتها الحليف العسكري للعراق، بتفعيل أي نظام دفاعي لحماية سماء البلاد، كما احتفظت بالأنظمة الموجودة تحت سيطرتها.
  • تصنيف إيران والفصائل المقاومة الإقليمية مرور الطائرات المعادية من أجواء العراق كتهديد مباشر لها، من الطبيعي أن رد فعل إيران، إذا اعتبرت أن استمرار هذا الاتجاه يشكل تهديدًا، قد يشمل إجراءات دفاعية استباقية داخل أراضي العراق.

مع الأخذ في الاعتبار جميع هذه المعطيات، إذا لم يختار العراق بسرعة مسار الاستقلال العسكري، واستعادة السيطرة الرادارية، وقطع الاعتماد الأمني على الولايات المتحدة، فسوف يتحول عاجلاً أم آجلاً إلى ساحة معركة دائمة وهدف آخر للنظام الصهيوني، حيث إنه وفقًا لعقيدة بن غوريون، يجب أن تكون جميع الدول الإسلامية، وخاصة الدول التي تشكل فيها الأغلبية الشيعية التركيبة الديموغرافية، ضعيفة وغير قادرة عسكريًا وأمنيًا.

الخلاصة: الاستقلال أو الانهيار الأمني

لم تعد سماء العراق مجرد ممر جوي خالٍ من المتاعب لطائرات النظام الصهيوني، بل رمزًا لانهيار السيادة الوطنية ونتاجًا واضحًا للتبعية الدفاعية الكاملة. والتاريخ علمنا أن الدول التي لا تبني أمنها بنفسها، تصبح رهينة لقرارات الآخرين.

لقد أثبتت إسرائيل، من خلال استغلالها للأجواء العراقية، عدم وجود أي خطوط حمراء أو عوائق في مشروع توسيع عقيدته العدوانية. ووفقًا للتحليل الاستراتيجي، لا يقتصر هدفها على تضعيف إيران فحسب، بل يمتد إلى إنشاء حزام نفوذ يمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى الحدود الشرقية للعراق. وفي هذا السياق، فإن العراق أمام مفترق طريق مصيري: إما أن يصبح فاعلًا مستقلًا في النظام الأمني الإقليمي، أو ضحية لاحقة في لعبة الهيمنة الصهيونية.

ورغم أن إيران أبدت حتى الآن قدراً كبيراً من ضبط النفس، تجاه هذا الحجم من الاعتداء العسكري يعتمد على الدبلوماسية الإقليمية والمنطق الاستراتيجي الثابت، ولكن هذا الضبط ليس بلا حدود. إذا لم يقم العراق بمسؤولياته الأمنية واستمر في إغماض عينيه عن الاستخدام المتكرر من قبل النظام الصهيوني لأجوائه، فإن خطر استهدافه مباشرة في المعادلات المستقبلية يصبح محتملًا—سواء من قبل النظام المعتدي، أو من قبل اللاعبين الإقليميين الذين يعتبرون هذا البلد شريكًا غير مرغوب فيه في العدوان. لقد حان الوقت لبغداد لاتخاذ القرار: إما الاستقلال الدفاعي عن الولايات المتحدة أو أن تكون الفريسة التالية للنظام من أجل التدمير وعدم الاستقرار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *