1- إن العقوبات الشاملة التي فرضتها أوروبا والولايات المتحدة على روسيا، والتي تشمل أيضاً المجالات الثقافية والرياضية، من غير المرجح أن تسفر عن النتائج المرجوة، بل على العكس من ذلك، فقد عززت التضامن العام.
على سبيل المثال، أدت العقوبات مثل استبعاد الرياضيين الروس من المشاركة في الألعاب الأولمبية، والقيود المفروضة على دخول السيارات التي تحمل لوحات ترخيص روسية إلى بعض الدول الأوروبية، والقيود المفروضة على أعمال الكتاب الروس المشهورين، إلى تعزيز تصور “عدم العدالة” بين المجتمع الروسي.
2- في سعيها إلى فرض القيود على العناصر الاجتماعية والثقافية الروسية، تزعم الحكومة أن “القوى الأجنبية تستهدف الهوية الروسية”، تماماً كما فعل الاتحاد السوفييتي.
في واقع الأمر، فإن استبعاد الرياضيين والشخصيات الثقافية خلق الانطباع بأن سياسات العقوبات تشكل مشكلة ليس فقط للحكومة الحالية، بل للمجتمع الروسي ككل.
وقد أدى هذا إلى خلق شعور “بالتضامن الجماعي” بين شرائح معينة من السكان، ودفعهم إلى تبني وجهة نظر أكثر انتقادا للدول التي تفرض العقوبات وسياساتها.
سمحت سياسات خفض قيمة الروبل الروسية لاقتصاد البلاد بالصمود في وجه العقوبات من خلال الحفاظ على استقرار عائدات النفط والغاز.
ويمكن الاشارة الى تجربة روسيا بالتغلب والالتفاف على العقوبات:
اولاً: تجربة عام 2014
1- يبدو أن الدروس التي تعلمتها روسيا من العقوبات التي فرضت عليها في عام 2014 بعد ضم شبه جزيرة القرم قد مكنتها من تطوير استراتيجية أكثر مرونة في مواجهة العقوبات الحالية.
ولهذا السبب، من المرجح أن تكون موسكو قد حققت نجاحاً كبيراً في الحد من تأثير العقوبات من خلال تطوير طرق تجارية وسياسات اقتصادية بديلة.
على سبيل المثال، يبدو أن زيادة التجارة بين ألمانيا ورابطة الدول المستقلة مهدت الطريق أمام الصادرات غير المباشرة إلى روسيا.
2- في الفترة ما بين 2021 و2023، كان من المتوقع أن تبلغ نسبة الصادرات الأوروبية إلى قيرغيزستان وكازاخستان وأرمينيا 70.42% على التوالي.
2 و40 في المائة، مما يشير إلى أن السلع والمنتجات اللازمة يتم نقلها إلى روسيا من هذه البلدان.
وخلال الفترة ذاتها، بلغت نسبة صادرات هذه الدول الثلاث إلى روسيا 52.31% على التوالي.
ارتفعت بنسبة 2.76 بالمئة.
وتظهر هذه البيانات فعالية استراتيجيات موسكو التجارية غير المباشرة في مواجهة العقوبات ودور التعاون مع بلدان رابطة الدول المستقلة في التخفيف من آثار العقوبات.
3- علاوة على ذلك، سمحت سياسات خفض قيمة الروبل الروسية لاقتصاد البلاد بالصمود في وجه العقوبات من خلال الحفاظ على استقرار عائدات النفط والغاز.
إن الدور الحيوي الذي تلعبه موارد الطاقة التي تمتلكها موسكو في الأسواق العالمية جعل من الصعب إخراجها من الدول الأوروبية.
وفي الوقت نفسه، عززت روسيا علاقاتها مع شركائها التجاريين الرئيسيين مثل الصين والهند، وتواصل تصدير الطاقة والسلع الأخرى عبر هذه البلاد.
وتثبت هذه الحقائق مرة أخرى البنية الديناميكية للعلاقات الدولية، وتثبت أن الحقائق الاقتصادية يمكن أن تسود على الأهداف السياسية.
ثانيا: التعويض الروسي للواردات
1- إن الفجوة في الإنتاج والعرض الناجمة عن رحيل الشركات الغربية والشرقية من روسيا دفعت حكومة موسكو إلى اتباع سياسات استبدال الواردات.
ومع ذلك، علينا أن ننتظر نجاح المبادرات.
على سبيل المثال، أدى خروج شركة رينو من روسيا إلى إدخال رمزي للسيارات تحت العلامة التجارية موسكوفيتش وغيرها من العلامات التجارية المحلية.
2- في قطاع الطيران، تسبب تعليق إمدادات قطع الغيار من قبل العديد من الشركات الكبرى في حدوث اضطرابات كبيرة في النقل الجوي.
ورغم أن التقارير تشير إلى أن قطع الغيار يتم استيرادها من الدول المجاورة، فإن هذا الحل غير قابل للاستمرار على المدى الطويل.
ورغم ذلك، هناك بدائل تم تطويرها محليا لتلبية معايير الجودة، وإن كانت صعبة.
3- في صناعة الأثاث والملابس، أدى خروج الماركات العالمية إلى خلق فرصة أمام المصنعين المحليين.
لكن لاعبين جدد من تركيا والصين والهند دخلوا السوق أيضًا لتلبية الطلب المحلي.
4- إن العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا تضر بالاقتصاد الأوروبي بحد ذاته، ويجب على الاتحاد الأوروبي إعادة النظر في استراتيجياته الجيوسياسية فيما يتعلق بأمن الطاقة.