رحل اليوم عن عالمنا الخطيب والشاعر الشيخ جعفر الهلالي عن عمر قضاه في خدمة المنبر الحسيني، وكنت قد قرأت شهادة عنه في يوم تكريمه من المكتبة الأدبية المختصة قبل سنتين فقلت: النجف مدينة جاذبة يفد إليها الناس من أصقاع العالم كافة لزيارة مرقد أمير البلاغة والبيان الإمام علي (ع)، ويفد إليها أيضا كثير من طلبة العلم من أجل الدراسة فيها، والجميع يعلم بأنها مدينة علم وفقه وأدب وشعر ومنطق وفلسفة وسياسة، الشعر فيها يتنفسه النجفيون كالهواء، هذه المدينة بدأت تتوسع كباقي المدن في منتصف خمسينيات القرن الماضي، وحي الحنانة أحد أحيائها بعد التوسع، بيوت متناثرة يتوسطها مرقد الصحابي الجليل كميل بن زياد، كان الأقرب إلى المرقد بيت الشيخ الهلالي، والذي مازال شاخصا بأهله، وبيت المرحوم الشاعر محمد حسين المحتصر، وبيت المرحوم الشيخ محمد جعفر الكرباسي، ثم سكن السيد عدنان البكاء (عافاه الله)، ومن ثم المرحوم الشاعر عبد الرسول السهلاني، منطقة صغيرة بحدودها الأولية لكنها كبيرة بما يحمله أصحاب هذه البيوت من علم وفقه وأدب وشعر، والنجف في تلك الفترة وماتلاها من عقدين شعلة وهاجة بالفكر والثقافة، يتأثر من يدرس فيها، وينهل منها صنوفا معرفية عديدة، والشيخ جعفر الهلالي أحد الذين وفدوا إليها ودرسوا فيها وتأثروا بها ونهل منها العلم والفقه والفلسفة، وهو شاعر وخطيب بدأ نظم الشعر مبكرا، وارتقى المنبر عندما اكتملت آلياته كخطيب منبر يشار له بالبنان يوم كان للخطابة دور كبير في عظة الناس وتوضيح جوهر الدين الحقيقي لا كما يفعله خطباء اليوم، الشيخ الهلالي شاعر لا يختلف فيه اثنان، فالشعر عنده تميز أدبي ينهض من متخيل فيكسبه وجودا فنيا حين يغلب الطابع الذوقي على صياغته وما ملحمته العلوية وروضته الهلالية وديوانه الشعري إلا دليل على أنه شاعر في زمن الشعر الحقيقي، حيث المجالس والندوات والمناظرات والإحتفالات وكانت كلها تقام في هذه المدينة المعطاء ولم يبخل شيخنا الهلالي من الإسهام فيها، أما الخطابة عند الشيخ الهلالي فهو يتابع فيها اهتمامه بأحداثها المرصودة أمكنتها المخصوصة وشخوصها التاريخية مستوحيا ذلك كله من صوغ الوقائع واستلهام الأحداث من دون أن يحده تاريخ، فما يهمه هو روح التاريخ وجوهره وفلسفته، كتب الشيخ الهلالي أبحاثا في تفسير القرآن وبحثا عن الفيلسوف محمد باقر الداماد وكتب في الفلسفة الحديثة أيضا، وله معجم يدل على اطلاعه الواسع بالشعراء منذ بدء الرسالة الى يومنا هذا وهو عمل موسوعي خاض فيه الشيخ سنوات طوال كي ينجزه هو معجم شعراء الحسين (ع)، يحمل شيخنا الهلالي من الصفات البساطة والتواضع ونكران الذات ويحمل أيضا قلبا طيبا نقيا يحب الخير للجميع، كان يكره التزييف والإلتواء كلها صفات تدل على علم وأصالة وكرم، وعمق إيمان، تأثر به نجله الأكبر الشيخ صادق فأصبح شاعرا وخطيبا أيضا، رحم الله الشيخ جعفر الهلالي الشاعر والخطيب.