المقدمة
قَطَعَت المملكة العربية السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع العراق بعد حرب الخليج في التسعينيات وهجوم العراق على الكويت. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، وفي ظل العهد الجديد للمملكة، استأنفت الرياض علاقاتها مع بغداد. يأتي هذا التحول في إطار رؤية السعودية 2030 وسعيها لتحقيق تنمية اقتصادية متكاملة ولعب دور متميز في إعادة إعمار العراق ما بعد داعش وتشكيل تحالفات سياسية جديدة. بدأت هذه التحولات الإيجابية في العلاقات السعودية-العراقية أواخر عام 2015. وقد أعادت السعودية افتتاح سفارتها في بغداد في ديسمبر 2016، بينما زار رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، الرياض مرتين في يونيو وأكتوبر 2017. كما قام وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي بثلاث زيارات دبلوماسية إلى السعودية على رأس وفود رسمية. وفي عام 2019، افتُتِح القنصلية السعودية في البصرة. ولعل أهم حدث في العلاقات بين البلدين كان إعادة فتح معبر عرعر الحدودي الرئيسي في نوفمبر 2020 بعد ثلاثين عامًا من إغلاقه منذ غزو العراق للكويت. يُعتبر هذا الحدث الخطوة الأكبر نحو تطبيع العلاقات منذ سقوط نظام صدام حسين.
تعزيز العلاقات بين البلدين
التعاون العسكري والأمني
يمكن تلخيص السياسة الخارجية السعودية تجاه العراق في الحاضر والمستقبل القريب في كلمة واحدة: الاستقرار. بالنظر إلى طول الحدود المشتركة بين البلدين، فمن الطبيعي أن تبقى قضايا الأمن الحدودي أولوية قصوى للسعودية. خلال العقود الأخيرة، احتلت المخاوف الأمنية المتعلقة بالحدود المرتبة الأولى في الاعتبارات العسكرية السعودية. وفي هذا السياق، وقع وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، ووزير الدفاع العراقي، ثابت العباسي، مذكرة تفاهم للتعاون العسكري المشترك في 4 نوفمبر 2024، أثناء زيارة العباسي إلى الرياض. ناقش الطرفان سبل تعزيز العلاقات الدفاعية وآليات تقويتها إلى جانب آخر المستجدات الإقليمية في الشرق الأوسط.
شهدت العلاقات العسكرية بين البلدين تقدمًا ملحوظًا مؤخرًا من خلال تعزيز التعاون الأمني وتبادل الزيارات بين الوفود العسكرية رفيعة المستوى. وشمل هذا التعاون توقيع اتفاقيات أمنية وإجراء تدريبات عسكرية مشتركة بهدف تحسين القدرات الدفاعية للطرفين.
العلاقات الاقتصادية
شهدت السنوات الأخيرة تنفيذ العديد من الاتفاقيات بين السعودية والعراق في مجال التعاون الاقتصادي والتجاري. ومنذ عام 2018، شرعت الرياض في استثمارات بقطاعات النفط والغاز والزراعة والبنية التحتية في النجف وبغداد والبصرة والأنبار. وفي نوفمبر 2020، أعيد افتتاح معبر عرعر الحدودي في محافظة الأنبار بعد نحو ثلاثين عامًا من الإغلاق. كما تخطط السعودية لإنشاء معبر حدودي جديد مع محافظة النجف لتعزيز التجارة والسياحة الدينية والثقافية.
إلى جانب ذلك، يجري إنشاء معبر جميمة البري الثاني بمحافظة المثنى، والذي من شأنه تعزيز الروابط الاقتصادية. ومن ناحية أخرى، تعمل الحكومة العراقية على توفير ضمانات قانونية وتشجيع الاستثمارات السعودية، مع إعداد مشروع قانون لدعم هذه الاستثمارات، والذي سيُطرح قريبًا أمام البرلمان للمصادقة عليه.
وفي السنوات الأخيرة، استثمرت السعودية مبالغ ضخمة في العراق من خلال صندوق الاستثمارات العامة. كما وُقِّعت عقود في مجالات الطاقة، من ضمنها عقد بقيمة 27 مليار دولار لتطوير محطات طاقة شمسية بمشاركة شركة “توتال إنرجي”، ودُعيت شركة “أكوا باور” السعودية للانضمام إلى هذا المشروع.
استخدام القوة الناعمة
بعد ثلاثة عقود من قطع العلاقات الثنائية بين الرياض وبغداد، يبدو أن السعودية اتخذت قرارًا جادًا للعودة إلى العراق لتعزيز موقعها في إطار رؤية 2030. وفي هذا السياق، تعمل المملكة على تحسين صورتها في المجتمع العراقي من خلال برامج ثقافية وفنية وإعلامية.
استؤنفت الرحلات الجوية بين البلدين لتصل إلى 140 رحلة شهريًا. وفي فبراير 2018، زار عشرات الشعراء السعوديين مدينة البصرة للمشاركة في مهرجان ثقافي. كما افتتحت شركات سعودية مكاتب لها في بغداد، مثل شركة “سابك”، التي تُعد من أكبر شركات البتروكيماويات في السعودية.
تسعى السعودية لاستعادة الهوية العربية لدى العراقيين، خاصة بعد تراجع المشاعر القومية العربية في العراق منذ حظر حزب البعث عام 2003. وتركز الرياض على محافظة البصرة الغنية بالثروات الطبيعية، وتطمح لتنفيذ مشاريع ضخمة فيها لتعزيز تنافسيتها مع الدول ذات النفوذ في العراق.
علاوة على ذلك، تعمل البلدان على إحياء مشروع “الشام الجديد”، الذي يتضمن استئناف تشغيل خط أنابيب النفط الممتد من البصرة إلى البحر الأحمر، والذي توقف منذ عام 1990.
الخاتمة
تسعى السعودية لضمان دور مستدام لها في العراق من خلال استثمارات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية واسعة النطاق. ومن خلال تشجيع الشركات السعودية للاستثمار في العراق وربط المستهلكين العراقيين بالمنتجات السعودية، تتجه العلاقات الثنائية نحو مزيد من الاستقرار حتى في حال حدوث أزمات سياسية. بشكل عام، يمكن أن يؤدي تعزيز نفوذ السعودية في العراق إلى تحسين نسبي في الأوضاع الاقتصادية العراقية، لكنه يحمل أيضًا إمكانية تأجيج الانقسامات الطائفية بدعم أهل السنة.