Search
Close this search box.

نتائج وتبعات 22 عامًا من الحرب الأمريكية في العراق

نتائج وتبعات 22 عامًا من الحرب الأمريكية في العراق
تحول العراق من دولة متقدمة اقتصاديًا في العالم العربي خلال الثمانينيات إلى بلد يعاني اليوم من الفقر والبطالة والفساد. وهذا جزء من الإرث الاقتصادي المدمر لحرب العراق..

المقدمة

الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق قبل 22 عامًا تسببت في دمار واسع النطاق، سواء على المستوى البشري أو الاقتصادي، ليس فقط في العراق، بل أيضًا في الولايات المتحدة. فما حجم التكلفة الفعلية لهذه الحرب؟ وهل جنت الولايات المتحدة أي فوائد من “السلام” بعد انتهائها؟ وما تأثير هذه الحرب على الاقتصاد العراقي؟ في النهاية، ما هو الثمن الحقيقي لهذه الحرب—وكيف يجب أن نحسبه؟ ما يلي هو تحليل موجز للإجابة على هذه الأسئلة.

التكاليف والآثار العسكرية والاقتصادية للحرب

أجرت جامعة براون الأمريكية دراسة شاملة لجمع البيانات المتعلقة بـ”الحرب العالمية ضد الإرهاب”. وبالنظر إلى التكاليف العسكرية الأمريكية في العراق وسوريا، فقد قُدرت النفقات المباشرة بنحو 1.79 تريليون دولار. وإذا أضفنا تكاليف الرعاية الطبية وإعانات  للمحاربين المعاقین القدامى الأمريكيين، فإن هذا الرقم یصل إلى 2.89 تريليون دولار. هذا مبلغ ضخم للغاية، حيث يشمل جزء منه فوائد الديون المتراكمة خلال الحرب، بينما ذهب الجزء الأكبر مباشرة إلى تمويل العمليات العسكرية. هذه الأرقام لا تشمل التكاليف التي تحملها حلفاء الولايات المتحدة، والتي تضيف أكثر من 170 مليار دولار إضافية إلى هذا المبلغ. وبذلك، نحن نتحدث عن تخصيص هائل للموارد العامة لحرب كانت كارثية من الناحية الجيوسياسية، والإنسانية، والسياسية، وتعتبر واحدة من أكبر الإخفاقات الحكومية في العصر الحديث.

المثير للدهشة أن هذه الحرب كانت من القضايا القليلة التي توحد حولها النظام السياسي الأمريكي، على الرغم من الاستقطاب الحاد بين الأحزاب—باستثناء باراك أوباما، الذي كان حينها سيناتورًا شابًا. فالسياسة الأمريكية لم تکن صوتا موحدا  حول الرعاية الصحية، أو الانتقال إلى الطاقة النظيفة، أو تحسين البنية التحتية الداخلية، ولكنها اجتمعت حول هذه الحرب! هذه الحقيقة، عند النظر إلى الأرقام والنتائج، تُظهر مدى فداحة هذا القرار.

ولكن ما هو الإرث الذي خلفته هذه الحرب من حيث النفقات العسكرية؟ هل انخفضت التكاليف العسكرية بعد الحرب، أم ظلت مرتفعة؟ ميزانية البنتاغون معقدة للغاية وغير شفافة، لكن هناك فرقًا واضحًا: بلغت تكلفة الحرب ذروتها في عام 2008—سواء في العراق أو أفغانستان—لتصل إلى 200 مليار دولار سنويًا، لكنها انخفضت منذ ذلك الحين. ومع ذلك، لا تزال آثار هذه الحرب واضحة في الميزانية الأساسية لوزارة الدفاع، التي لم تنخفض أبدًا.

بلغت الميزانية الأساسية للبنتاغون، والتي تشمل رواتب الأفراد، والإسكان، والرعاية الصحية العسكرية، حوالي 700 مليار دولار خلال السنوات الأولى من إدارة أوباما، وانخفضت بحوالي 100 مليار دولار في أواخر ولايته. لكن مع وصول ترامب إلى السلطة، عادت إلى الارتفاع وتجاوزت الآن 800 مليار دولار سنويًا. علاوة على ذلك، أصبح الكونغرس الأمريكي يقر ميزانيات للدفاع تتجاوز حتى الطلبات المقدمة من الحكومة. ومنذ بداية هذه الحرب، كانت الميزانية العسكرية في حالة ارتفاع دائم. وعلى عكس إدارة كلينتون في التسعينيات، التي استفادت من “عائدات السلام” وخفضت النفقات العسكرية، لم يحدث ذلك بعد حرب العراق.

التأثيرات الاقتصادية على العراق

حتى قبل الحرب، كان العراق يعاني من مشكلات اقتصادية. فهل ساهمت هذه الحرب في تحسين وضعه؟ وهل يمكن استخلاص دروس من هذه التجربة لصياغة سياسات تنموية مستقبلية؟

هذه قصة مأساوية، لأن العراق كان في الثمانينيات واحدًا من أكثر الاقتصادات العربية تقدمًا، حيث امتلك قطاعًا صناعيًا متطورًا، ونظام نقل حديث، وبنية تحتية متقدمة، ونظامًا صحيًا عالي المستوى، وطبقة وسطى كبيرة، وأحد أفضل الأنظمة التعليمية في العالم العربي.

لكن الانهيار الاقتصادي في العراق لم يبدأ قبل 22 عامًا فقط، بل قبل 30 عامًا، عندما غزا صدام حسين الكويت وتبع ذلك فرض عقوبات اقتصادية قاسية على البلاد. ومنذ ذلك الحين، يعاني العراق من مشكلات اقتصادية متزايدة. ثم جاء الغزو الأمريكي عام 2003، مما أدى إلى تراجع الاقتصاد العراقي بنسبة 40 إلى 52٪ إضافية. ورغم حدوث تعافٍ نسبي في السنوات اللاحقة، إلا أن هذا التعافي كان هشًا وغير مستقر، ويرتبط إلى حد كبير بإعادة الإعمار التي مولتها الولايات المتحدة، والتي ذهب معظمها إلى تمويل القوات الأمنية العراقية بسبب الحرب الأهلية الدموية التي شهدتها البلاد عام 2006.

اليوم، تعتمد 87٪ من إيرادات الحكومة العراقية على النفط. وتم تفكيك الهيكل الإداري للدولة، الذي كان قائمًا خلال عهد البعث، من قبل الإدارة الأمريكية بعد عام 2003. ونتيجة لذلك، تحول الاقتصاد العراقي بعد صدام إلى نظام توزيع غير متکافیء للثروات النفطية بين الفصائل المختلفة.

هل كان هناك أي مخطط أمريكي لإعادة بناء الاقتصاد العراقي؟

أم أن الافتراض كان أن الاقتصاد سيتعافى تلقائيًا بعد سقوط صدام؟

كان العنصر الأساسي في الاقتصاد العراقي هو أنه كان اقتصادًا مركزيًا تهيمن عليه الدولة. لكن عندما نفذ بول بريمر (المندوب الأمريكي في العراق بعد الحرب) سياسة اجتثاث البعث، أدى ذلك إلى تسريح جميع موظفي الدولة تقريبًا، الذين كانوا يشكلون العمود الفقري للاقتصاد. كانت الخطة أن تقوم الشركات الخاصة الغربية بالدخول وإعادة بناء الاقتصاد من خلال “الشراكة بين القطاعين العام والخاص”، ولكن حتى في أفضل الظروف، كان تحقيق ذلك أمرًا بالغ الصعوبة—أما في العراق، فقد أدى إلى كارثة.

في عام 2003، لم تكن القوات الأمريكية قادرة حتى على توفير الاحتياجات الأساسية مثل الماء والكهرباء للعراقيين. وعلى عكس أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تمكن الأمريكيون من استعادة الخدمات الأساسية في غضون أيام بعد احتلال المدن، استمرت البنية التحتية في العراق في الانهيار لسنوات بعد الغزو.

نتيجة لذلك، تحول العراق من دولة متقدمة اقتصاديًا في العالم العربي خلال الثمانينيات إلى بلد يعاني اليوم من الفقر والبطالة والفساد. وهذا جزء من الإرث الاقتصادي المدمر لحرب العراق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *