
أزمة اجتماعية تتصاعد داخل البيوت العراقية
تتزايد المشاكل الأسرية في العراق في ظل واقع اجتماعي واقتصادي معقد يضغط على بنية العائلة العراقية، ويفتح الباب أمام توترات يومية سرعان ما تتطور إلى صدامات عنيفة تصل في بعض الأحيان إلى سقوط قتلى وجرحى.
فالعائلة العراقية أصبحت تعيش اليوم بين مطرقة الظروف المعيشية القاسية وسندان التحولات الثقافية السريعة التي أربكت منظومة القيم وخلقت فجوة واسعة بين الأجيال داخل البيت الواحد.
هذا الواقع جعل أي خلاف بسيط شرارة قادرة على إشعال نزاع كبير، وقد يمتد أثره خارج حدود المنزل ليصبح قضية عشائرية أو اجتماعية واسعة.
الأعراف العشائرية وتضخم دورها في الخلافات الأسرية
ومما يزيد الوضع تعقيداً أن الأعراف العشائرية المقيتة تحولت إلى سلاح ذي حدّين؛ إذ أصبحت في كثير من الأحيان وسيلة للخذلان أو أداة للتحدي العشائري، لا لحلّ النزاعات.
فبدلاً من احتواء الخلاف داخل الأسرة، صار كل طرف يستند إلى جماعته، ليكبر الخلاف ويخرج عن مساره الطبيعي، فتزداد حالات الإصابات والضحايا بسبب تدخلات لا تضع مصلحة العائلة في مقدمة أولوياتها.
الضغوط الاقتصادية… نذير توتر دائم داخل البيوت
تراجع فرص العمل وارتفاع تكاليف الحياة وضعا رب الأسرة تحت ضغط نفسي متواصل، ينعكس سلباً على طريقة التعامل داخل البيت.
وبعض الأسر تضطر للعيش في مساكن ضيقة أو مزدحمة، مما يزيد الاحتكاك اليومي ويقلل مساحة الحوار الهادئ، فتتحول مشاكل بسيطة إلى اشتباكات كلامية وعنيفة.
وكلما ضاقت الحياة، اتسعت دائرة الغضب، وارتفعت قابلية الانفجار داخل العلاقات الأسرية.
ثقافة العنف وانتشار السلاح… تهديد مباشر للسلم الأسري
في وقت ترتفع فيه الخلافات بسهولة، تتحول هذه المشاحنات إلى شجار عنيف بسبب غياب ثقافة الحل السلمي للنزاعات، وتحوّل السلاح المنفلت إلى عنصر حاضر في الكثير من البيوت والمناطق.
فانتشار السلاح بشكل واسع—مع عجز الحكومات المتعاقبة عن حصره بيد الدولة—يجعل أي خلاف قابلاً للتحول إلى مأساة.
والأخطر أن بعض الجماعات الحزبية التي تمتلك السلاح أصبحت تمثل مظلة لقسم من الأفراد، ما يفاقم المشكلة ويضعف سلطة القانون داخل المجتمع.
مواقع التواصل… نار صغيرة تُحوَّل إلى حريق كبير
كما أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تضخيم المشكلات الأسرية، فبدلاً من أن تكون الخلافات محصورة داخل البيت، أصبحت تُنشر على الملأ بحثاً عن دعم أو تعاطف أو ضغط اجتماعي.
وهذا النشر العلني يدفع الأطراف إلى التصلّب بدلاً من التراجع، لأن كرامة كل طرف تصبح على المحكّ أمام الجمهور، مما يجعل العودة إلى الحوار الهادئ شبه مستحيلة.
ضعف الوعي الأسري وغياب مهارات إدارة الحياة الزوجية
وتبرز أيضاً مشكلة ضعف الوعي الأسري لدى شريحة واسعة من الشباب، وعدم امتلاكهم مهارات إدارة الحياة الزوجية، أو ثقافة الحوار، أو القدرة على تقدير المسؤولية المشتركة.
فما كان يمكن أن يُحلّ خلال دقائق بالحوار، يتحول إلى أزمة تتفاقم سريعاً، بسبب غياب تلك المهارات وغياب مراكز الإرشاد الأسري التي يمكن أن تقدم نصيحة أو تتدخل قبل وقوع الضرر.
تداعيات خطيرة تهدد السلم الاجتماعي
وهكذا يجد المجتمع العراقي نفسه أمام تزايد خطير في النزاعات العائلية التي تهدد السلم الاجتماعي، وتكشف حاجة ملحّة لبرامج توعية، وإعادة بناء منظومة القيم، والعودة إلى الحوار كأداة لحماية العائلة ومنع تفككها.
فالقانون يجب أن يعود ليكون الفصل الوحيد في معالجة الخلافات، قبل أن تتحول إلى مشاهد مؤلمة يدفع ثمنها الأبرياء من هذه العشيرة أو تلك.
انحدار في دور الشيوخ… بين الأصالة والانحراف
ومما يزيد الأمر تعقيداً أن بعض الشيوخ لا يمتلكون حنكة السيطرة على عشائرهم، بل أصبحوا خاضعين المال والنفوذ، مما جعل التفكك الأسري أكثر وضوحاً وانتشاراً.
ففي كل عشرة منازل هناك شيخ “شابّ” أو مدعوم بالمال، لا يملك الخبرة ولا الحكمة، بينما المضايف الأصيلة أصبحت شبه خالية لأن شيوخها الحقيقيين لا يستطيعون مجاراة مظاهر البذخ والإسراف التي فرضتها الظروف الجديدة.
ومع ذلك يبقى الاحترام محفوظاً للشيوخ الأصلاء الذين يصلحون ذات البين، ويحاولون تهدئة النزاعات بدلاً من إشعالها.


