العراق مابين الزيارات السياسية المتتابعة والطائرات المسيرة التي استهدفت حقلا غازيا في كردستان حقل كور مور

العراق مابين الزيارات السياسية المتتابعة والطائرات المسيرة التي استهدفت حقلا غازيا في كردستان حقل كور مور
يشهد العراق مرحلة حساسة تتداخل فيها الدبلوماسية مع رسائل أمنية غير مباشرة، أبرزها استهداف حقل غازي في إقليم كردستان، بما يعكس تصاعد الصراع على النفوذ والطاقة، وعجز التفاهمات المؤقتة عن احتواء التوتر بين بغداد وأربيل.....

مشهد سياسي مضطرب ورسائل تتجاوز الدبلوماسية

يعيش العراق مرحلة شديدة الحساسية تتقاطع فيها العلنية الدبلوماسية مع الرسائل الخفية التي تتجاوز التصريحات المباشرة، نحو تحذيرات أمنية وسياسية لا تخطئها العين.
فالعاصمة بغداد تستقبل وفوداً عربية ودولية بشكل شبه يومي، ما يعكس حجم الاهتمام الإقليمي والدولي بالوضع العراقي، ومحاولة الأطراف المختلفة التأثير في مسار الأحداث أو تهدئة الملفات المتوترة.
ومع كل زيارة، تتعالى التصريحات الرسمية التي تتحدث عن إعادة ترتيب الأولويات، وتأكيد الشراكات، وتعزيز الاستقرار، لكن الواقع يشير إلى أن معظم هذه اللقاءات تدور حول ملفات شائكة لم يُحسم أي منها بشكل جذري.
وتكشف الزيارات المتكررة حجم التوتر الكامن خلف المشهد، إذ تشي بأن العراق يقف في منطقة وسطى بين التهدئة الممكنة والانفجار المحتمل.

استهداف الحقل الغازي… رسالة تتجاوز حدود الحادث الأمني

ويأتي استهداف الحقل الغازي في إقليم كردستان بواسطة طائرة مسيّرة ليضيف بعداً جديداً من التعقيد إلى المشهد العراقي.
فالحادث في الظاهر عمل عسكري محدود، لكنه في جوهره رسالة سياسية مكثّفة تقول إن الخلافات بين بغداد وأربيل لم تعد محصورة في الجانب المالي أو الإداري، بل أصبحت جزءاً من معركة النفوذ والأمن والطاقة.
ويرى مراقبون أن هذه العملية جاءت في توقيت حساس، بالتزامن مع مباحثات سياسية مكثفة، ما يعزز الاعتقاد بأنها رسالة محسوبة هدفها إعادة ترتيب قواعد التفاهم بين الطرفين.
فالطاقة في العراق لم تعد مجرد قطاع اقتصادي، بل أصبحت ورقة ضغط سياسية يمكن استخدامها لتسريع الاتفاق أو عرقلته، بحسب الجهة التي تمسك بها.

حكومة بين التوازنات والضغوط المتشابكة

تحاول الحكومة العراقية السير في ممر ضيق بين مطالب الداخل وضغوط الخارج، وبين ضرورة فرض هيبة الدولة ومراعاة التعقيدات التي تفرضها الظروف السياسية.
فهي تسعى لتثبيت سلطتها على كامل الجغرافيا العراقية، وفي الوقت نفسه تواجه اعتراضات من قوى سياسية وفصائل مسلحة لها نفوذ فعلي على الأرض.
وتدرك الحكومة أن أي تراجع في هذا الملف سيظهرها بمظهر العاجز أمام الشارع، بينما أي تصعيد قد يؤدي إلى انفجار سياسي يعيد البلاد إلى مربع الأزمات.
ولذلك تتحرك بحذر شديد، لكنها تواجه تحدياً إضافياً: جهات محلية ترسل رسائل أمنية موازية قد تتعارض مع توجه الدولة.
فالطائرة المسيرة التي استهدفت الحقل الغازي تحمل في مضمونها رسالة تقول إن التفاوض البطيء لم يعد مناسباً للمرحلة، وإن البعض يرى أن «اللغة الخشنة» أكثر قدرة على فرض الإرادة السياسية.

قلق كردي متصاعد وتوتر مرتبط بصراع الموارد

أما الإقليم الكردي، فيتابع هذه التطورات بقلق طبيعي، إذ يدرك أن استهداف منشأة طاقة ليس حدثاً عابراً، بل خطوة تحمل دلالات عميقة على مستوى العلاقة مع المركز.
فالخلافات حول إدارة النفط والغاز، وتوزيع الثروات، والسلطات الدستورية، والمناطق المتنازع عليها، جميعها ملفات بقيت معلقة لسنوات، وكل طرف يفسرها وفق قراءته السياسية.
ويرى الإقليم أن هذه المرحلة تتطلب حواراً استراتيجياً شاملاً يعيد ضبط العلاقة على أساس ثابت، لأن أي خلل في توازن القوى قد يؤدي إلى تغييرات تفرض واقعاً جديداً لا يخدم الاستقرار الداخلي.
ولذلك يتعامل الإقليم مع استهداف الحقل الغازي كما لو أنه ناقوس خطر ينبّه إلى أن الصراع على الموارد قد ينتقل من طاولة التفاوض إلى ميادين الضغط الأمني.

زيارات دبلوماسية لا تكفي لاحتواء المشهد

ومع كل زيارة رسمية إلى بغداد أو أربيل، تتجدد الوعود بالتهدئة وبناء شراكات جديدة، لكن التجارب السابقة أثبتت أن التفاهمات اللفظية ليست كافية لتجاوز أزمة تراكمت عناصرها لسنوات طويلة.
فالبلاد اليوم بحاجة إلى حلول واقعية، ومعالجات تراعي حساسية اللحظة، لا إلى بيانات تؤكد التعاون دون تطبيق فعلي على الأرض.
ومع أن هذه الزيارات تحاول خلق مناخ هادئ، إلا أن الأجواء تبقى مشحونة بسبب الطائرات المسيّرة التي تظهر بين حين وآخر، لتذكّر الجميع بأن أي خلل أمني قد يقلب موازين المرحلة ويدفع نحو تصعيد غير محسوب.

العراق بين رسائل الأرض وتحذيرات السماء

وهكذا يجد العراق نفسه واقفاً بين حركة الوفود وتحذيرات السماء، بين لغة الدبلوماسية اللينة ورسائل النار التي تحاول فرض حضورها على طريقة إدارة الملفات الحساسة.
وتغدو المرحلة المقبلة اختباراً لقدرة بغداد وأربيل على تجاوز الخلافات القديمة وفتح صفحة جديدة قائمة على الثقة والتوازن.
فكل الإشارات تتجه الآن نحو الإقليم بعبارة سياسية واضحة، مفادها أن الوقت لم يعد يسمح بحلول رمادية أو مؤقتة، وأن المرحلة المقبلة تحتاج اتفاقاً أكثر جدية وعمقاً، يعيد ترتيب العلاقة ويحمي البلاد من أي توتر إضافي،
قد يستغل هشاشة الوضع السياسي والاقتصادي ليصنع واقعا جديدا لا يرغب به أحد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *