في زمنٍ تتداخل فيه الأصوات وتتزاحم فيه النصوص، يبرز السيّـد حافظ ككاتبٍ غير تقليدي، يحمل في لغته عبق العصور الذهبية، ويستعيد في أسلوبه بيان المتنبي، وعمق أبي العلاء المعرّي، ورصانة الأوزان التي أرسى دعائمها الخليل بن أحمد الفراهيدي في قلب البصرة القديمة.
السيّـد حافظ ليس مجرّد كاتب يطرق باب اللغة، بل هو صاحب مشروع فكري وجمالي ينهض من جذورٍ عربيةٍ أصيلة، ويعيد الاعتبار للنص بوصفه فعلاً معرفياً وذائقةً وبياناً.
بيانٌ يذكّـر بوهج المتنبي
يمتلك السيّـد حافظ قدرة نادرة على تطويع المفردة، فهو لا يكتب النص بقدر ما يُـشعل فيه الحياة. طريقته في الجملة، اختيارُه للمفردات، قدرته على تثوير المعنى كلّـها تُـحيل إلى تلك النبرة الرفيعة التي عرفناها عند المتنبي: كبرياء العبارة.، دقّة الصورة. واشتباك الفكرة مع وجدان القارئ.
حين يكتب السيّـد حافظ، يشعر القارئ أن اللغة ترتقي درجةً بعد أخرى، وأن الجملة تُـصاغ بطريقة لا تسمح لها بالسقوط في العادي أو المألوف.
عمقٌ معرفي على طريقة المعري
ولأن البيان وحده لا يصنع أدباً خالداً، فإن السيّـد حافظ يذهب أبعد من جمال الأسلوب إلى التأمل الفلسفي وعمق الرؤية.
تتجاور في نصوصه الأسئلة الوجودية، والنقد الاجتماعي، والتشكيك النبيل الذي يكشف تناقضات الواقع ويضع الإنسان أمام مرآته.
هنا يقترب “السيّـد” من أبي العلاء، لا في التشاؤم ولا في العزلة، بل في اختبار المعنى والبحث عن الجوهر خلف القشور.
أوزان تُـعيدنا إلى البصرة القديمة وإلى الفراهيدي وإذا كانت البصرة القديمة هي موطن الفراهيدي، فإن السيّـد حافظ المصري “الجدع” يستعيد هذا الإرث بوعيٍ لا يخلو من التجريب.
فهو لا ينقل الوزن أو يضعه ميزاناً، بل يعيد خلقه؛ ولا يقلّـد التفعيلة، بل يُـخضعها لروح النص الذي يريد قوله. لذلك تبدو كتاباته وكأنها تمشي على بحور عربية أصيلة، لكنها تترك مجالاً فسيحاً للحداثة ولنبض اللحظة.
كاتب من أرض المحروسة مصر “أرض النجباء” لكن صدى نصه يتجاوز المكان كتب السيّـد حافظ للبصرة التي يراها بأنها ليست مجرد مدينة، بل ذاكرة لغوية وروحية.
منها يستمد حرارة الجنوب ونبرة الحكمة وعمق التراث العربي.
وفي الوقت نفسه، يكتب بلغة قادرة على الوصول إلى كل قارئ، لأنه يؤمن أن النص الحقيقي ليس ابن المكان فقط، بل ابن الرسالة والوعي والصدق.
ولماذا السيّـد حافظ كاتب غير تقليدي؟
- لأنه يمزج بين البيان والتراث والفلسفة دون أن يتورّط في الاجترار.
- لأنه يعيد للّـغة العربية قدرتها على الإدهاش لا بالغرابة، بل بالعمق.
- لأنه يكتب بوعي تاريخي وذائقة معاصرة.
- ولأنه يعرف كيف يجعل من النص فعلاً جمالياً، لا مجرد كلمات مرصوفة.
السيّـد حافظ ليس امتداداً لأحد، وإن حمل عبق الزمن الجميل؛ وليس قطيعةً مع أحد، وإن اختار لأسلوبه طريقاً خاصاً.
هو كاتب يكتب كما ينبغي للكاتب أن يكتب بشغف المتنبي وبحكمة المعرّي وبميزان الفراهيدي وبروح مصريّـة “جدع” تعرف أن اللغة إذا لم تكن أصيلة فلن تكون جميلة، وإذا لم تكن عميقة فلن تكون خالدة.


