تتّجه أنظار المنطقة إلى العراق في الرابع من نوفمبر المقبل، حيث تُجرى انتخابات برلمانية جديدة قد ترسم ملامح المرحلة المقبلة في بلدٍ يعيش على تخوم الأزمات والتجاذبات الإقليمية.
تأتي هذه الانتخابات وسط تراجع الثقة الشعبية واتساع الهوة بين السلطة والمجتمع، في ظل توقّعات بانخفاض نسبة المشاركة إلى نحو 30%، ما يُضعف شرعية النتائج ويمنح القوى التقليدية فرصةً للهيمنة.
توازن القوى وحظوظ الأطراف
يدخل إطار التنسيق الشيعي السباق بكتلة متماسكة مدعومة من نفوذ مؤسسات الدولة والجنوب الشيعي، لكنه يواجه تحدّي الإقناع الشعبي في ظل انتقادات متزايدة لأدائه الحكومي. أمّا التيار الصدري، الذي ما زال متأرجحًا بين المشاركة والمقاطعة، فسيُحدّد حضوره حجم التغيير الممكن: فعودته الكاملة تعني منافسة حقيقية، وغيابه يفتح الباب أمام سيطرة شبه تامة للإطار.
في المقابل، ما تزال القوى السنيّة والكردية أسيرة انقساماتها، رغم مساعي بعض القيادات الشابة لتقديم خطابٍ وطنيٍّ يتجاوز الاصطفاف الطائفي. فحزب الديمقراطي الكردستاني يواصل تفوّقه شمالًا، بينما يراوح الاتحاد الوطني في مكانه، في حين تبحث القوى السنية عن موقعٍ جديدٍ في معادلة مضطربة.
منظور لبناني: العراق مرآة المنطقة
من وجهة نظر عدد من المحللين اللبنانيين، تبدو الانتخابات العراقية بمثابة مرآة لما تشهده المنطقة من صراع بين مشروعين: مشروع الدولة الوطنية المستقلة ومشروع النفوذ الخارجي المتشابك. ويرى هؤلاء أن العراق يشبه لبنان في هشاشته البنيوية وتعدد مراكزه، لكنّه يمتلك ثرواتٍ تمنحه هامش حركة أوسع إن توفّر القرار السيادي.
ويشير المحللون إلى أن نتائج هذه الانتخابات قد تُحدّد اتجاهات السياسة الإقليمية في العامين المقبلين، خصوصًا في ما يتعلّق بعلاقة بغداد مع كلٍّ من إيران والولايات المتحدة، وكذلك موقفها من الملفات الحساسة كالتطبيع مع إسرائيل أو الانفتاح العربي.
السيناريوهات المحتملة
- استمرار الهيمنة التقليدية: فوز إطار التنسيق بأغلبية مريحة مع مشاركة ضعيفة، ما يُثبّت النظام القائم ويمنحه شرعية نسبية، لكنه يُبقي على احتمالات الغضب الشعبي قائمة.
- مفاجأة انتخابية محدودة: في حال عودة التيار الصدري أو بروز قوى شبابية مستقلة، قد تتغيّر التوازنات جزئيًا دون إسقاط المعادلة الأساسية.
- حكومة وحدة وطنية: وهو السيناريو الأرجح بحسب محللين عراقيين ولبنانيين، نظراً إلى استحالة تشكيل حكومة أحادية في ظل الانقسام، ما يعني تسوية داخلية هشّة تُرضي الخارج أكثر مما تُرضي الداخل.
التبعات الداخلية والخارجية
داخليًا، أي إخفاق في تحسين الخدمات ومكافحة الفساد سيعيد الشارع إلى دائرة الاحتجاج. أما خارجيًا، فالعراق سيبقى ساحة توازن دقيقة بين واشنطن وطهران، ومحورًا تتقاطع عنده مصالح الجوار من أنقرة إلى الخليج.
ويرى محللون لبنانيون أن ما سيحدث في بغداد لن يبقى هناك؛ فكل اهتزاز سياسي في العراق ينعكس على البيئة المشرقية برمّتها، من أسعار النفط إلى توازنات القوى في سوريا ولبنان.
خاتمة
الانتخابات العراقية هذه المرة ليست مجرّد استحقاقٍ برلماني، بل اختبار لإمكانية استعادة الدولة نفسها في وجه شبكة الطوائف والمصالح.
وكما يقول أحد الباحثين العراقيين: «إذا كانت الديمقراطية صندوق اقتراع، فالعراق اليوم بحاجة إلى صندوق ضمير قبل أي شيء آخر».


