مجلس الأمن في خدمة واشنطن وتل أبيب: تجاهل العدوان الصهيوني وإهانة للبنان وسيادته

مجلس الأمن في خدمة واشنطن وتل أبيب: تجاهل العدوان الصهيوني وإهانة للبنان وسيادته
يؤكد النص أنّ مجلس الأمن فقد حياده وخضع للهيمنة الأمريكية، متجاهلًا العدوان الإسرائيلي على لبنان، ما يجعل المقاومة الخيار الواقعي الوحيد لحماية السيادة اللبنانية في ظلّ صمت دولي وتواطؤ أممي متزايد....

لم يعد خافيًا على أحد أن مجلس الأمن الدولي، فقد آخر مقومات حياده وصدقيته، بعدما أثبت مجددًا أنه مكتب تابع للإدارة الأمريكية لا أكثر، وذلك بتجاهله الفاضح للشكوى اللبنانية الرسمية المقدمة، ضد العدوان الإسرائيلي على منشآت مدنية في الجنوب.

فبدل أن يتعامل المجلس، مع هذه الشكوى بجدية تليق بعضوية لبنان في الأمم المتحدة، اكتفى ببيان صحفي هزيل لا يرقى حتى لمستوى التعليق على حادث عابر. فهذه المهزلة الدبلوماسية كشفت عمق الانحياز الأمريكي داخل المجلس، وأكدت أن قراراته لم تعد تصدر وفق ميثاق الأمم المتحدة، بل وفق الإملاءات القادمة من البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية.

لقد تمخض الجبل فولد فأرًا. إذ اقتصرت الشكوى اللبنانية على جريمة واحدة من بين أكثر من 4900 جريمة حرب ارتكبها العدو الصهيوني بحق المدنيين والبنى التحتية اللبنانية، ومع ذلك تجاهل مجلس الأمن مضمونها كليًا، في سابقة لم يشهدها تاريخه منذ تأسيسه عام 1945.

وإن هذا التجاهل لا يمثل استخفافًا بلبنان فحسب، بل إهانة صريحة للأمم المتحدة ولميثاقها، الذي نصّ على حفظ السلم والأمن الدوليين وحماية الدول الأعضاء من العدوان الخارجي.

ويكفي أن نشير إلى أن العدوان الأخير دمّر أكثر من 300 آلية مدنية مخصصة للبناء وتزفيت الطرقات في الجنوب اللبناني، وهو استهداف مباشر للبنية التحتية المدنية، ما يشكّل جريمة حرب موصوفة وفق القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف. ومع ذلك، لم يجرؤ المجلس على وصف الجريمة باسمها، ولم يُدرجها حتى في سجله، وكأن لبنان بلد بلا سيادة ولا كرامة.

والأنكى من ذلك، أن بعثة لبنان الدائمة في نيويورك لم توزّع حتى اليوم ملفًا متكاملًا يوثّق الاعتداءات والخروقات التي ارتكبها العدو منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار وحتى اليوم ، وكأنها استسلمت لتقاعس المنظمة الأممية، أو تماهت مع سياسة التجاهل الدولي لحقوق لبنان. وهذه الثغرة الدبلوماسية لا تعفي مجلس الأمن من مسؤوليته، لكنها تكشف مدى غياب المبادرة اللبنانية في الدفاع الجاد عن السيادة الوطنية أمام هذا التواطؤ الممنهج.

فمنذ صدور القرار 1701 عام 2006، الذي أُريد له أن يكون غطاءً لحماية إسرائيل من ردود المقاومة، نجح لبنان بفضل سلاح المقاومة في الحفاظ على استقراره ومنع أي عدوان جديد طوال ثمانية عشر عامًا. غير أن المجتمع الدولي، بدلًا من دعم هذا الاستقرار القائم على الردع، واصل الضغط لنزع سلاح المقاومة وتحويل لبنان إلى ساحة مفتوحة أمام الاعتداءات الصهيونية.

واليوم، حين انكشف الوجه الحقيقي لمجلس الأمن، بات واضحًا أن هدف القرار 1701 لم يكن حماية لبنان، بل تأمين منطقة عازلة جنوب الليطاني لضمان أمن المستوطنات الإسرائيلية.

لقد تحوّل مجلس الأمن، الذي يُفترض أن يكون حارسًا للسلم العالمي، إلى شاهد زور على الجرائم الإسرائيلية، بل إلى شريك صامت يغطّي العدوان من خلال صمته المتعمد وتلاعبه في صياغة البيانات. فالمجلس الذي يُفترض أن يجتمع بشكل عاجل عند وقوع أي عدوان على دولة عضو، اكتفى ببيان صحفي فارغ، لا ذكر فيه لإسرائيل ولا لإدانة الخرق الفاضح للسيادة اللبنانية.

فهذا السلوك ليس مجرد تقصير دبلوماسي، بل جريمة سياسية تهدف إلى تبرير استمرار العدوان وتمكين إسرائيل من مواصلة حربها بأريحية كاملة.

إن صمت مجلس الأمن، وامتناعه عن وصف العدوان باسمه الحقيقي، يعني تفويضًا ضمنيًا لإسرائيل لمواصلة تدمير لبنان متى شاءت وتحت ذرائع “الدفاع عن النفس” التي أصبحت شماعة لتبرير الإبادة الممنهجة بحق الشعوب العربية. وهذا الصمت ليس بريئًا؛ فهو نتيجة مباشرة للهيمنة الأمريكية على مفاصل القرار الأممي، وللسياسة التي حوّلت المنظمة الدولية إلى أداة طيّعة في يد واشنطن وتل أبيب.

والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم على الرئاسة الأولى والحكومة اللبنانية: من سيحمي السيادة والأرض والشعب بعد أن تخلّى مجلس الأمن عن واجباته وتآمر ضد لبنان؟

أليس سلاح المقاومة هو الذي ردع العدوان، وفرض توازن الردع، وحمى الحدود لسنوات طويلة؟

أليس هذا السلاح هو الذي حال دون تنفيذ المخططات الإسرائيلية لتحويل الجنوب إلى منطقة منزوعة الإرادة والسيادة؟

لقد أثبتت التجربة أن كل من يراهن على مجلس الأمن أو على بيانات “الشجب والقلق” إنما يراهن على سراب. فالعدالة الدولية لا تُمنح، بل تُنتزع بقوة الموقف والإرادة. وإذا كانت الأمم المتحدة قد رضخت للضغوط الأمريكية، فإن لبنان لا يملك ترف الاستسلام، لأن أمنه القومي بات مهددًا من الداخل والخارج، ولأن السكوت الدولي عن العدوان يشكّل دعوة مفتوحة للعدو لارتكاب المزيد من الجرائم.

إن تجاهل مجلس الأمن للشكوى اللبنانية ليس مجرد تقصير أممي، بل رسالة أمريكية واضحة مفادها أن إسرائيل تملك تفويضًا مفتوحًا لمواصلة عدوانها متى شاءت، وأن أي اعتراض لبناني سيُقابل بالتهميش والإسكات.

فهذه السابقة الخطيرة تنذر بانهيار ما تبقى من منظومة القانون الدولي، وتؤكد أن مجلس الأمن لم يعد منصة لحماية الشعوب، بل غطاءً سياسيًا للجرائم الإسرائيلية تحت شعار “الشرعية الدولية”.

وبناءً على ما تقدّم، فإن الردّ الوطني الحقيقي، لا يكون بانتظار مجلس الأمن، ولا بمخاطبة ضميره الميت، بل بتوحيد الموقف الداخلي خلف خيار المقاومة، الذي أثبت أنه السلاح الوحيد القادر على حماية لبنان، من الأطماع الصهيونية، ومن الخيانة الدبلوماسية الدولية.

فحين تتواطأ الأمم المتحدة، ويصمت العالم، لا يبقى أمام الشعوب إلا أن تحمي نفسها بنفسها، وأن تكتب بدمها معادلة الردع والكرامة والسيادة.

العدوان مستمرّ… لكنّ لبنان لن يُهزم طالما هناك من يقاوم، ويكشف الأكاذيب الدولية.

وإن غدًا لناظره قريب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *