مبعوث ترامب إلى العراق عودة النفوذ الأمريكي بوجه اقتصادي جديد أم وصاية سياسية بثوب استثماري

مبعوث ترامب إلى العراق عودة النفوذ الأمريكي بوجه اقتصادي جديد أم وصاية سياسية بثوب استثماري
تعيين مارك سافايا مبعوثًا خاصًا للعراق يعكس تحوّلًا في النهج الأمريكي من النفوذ الأمني إلى النفوذ الاقتصادي، ويُبرز سعي واشنطن لإدارة الملف العراقي مباشرة عبر الدبلوماسية الخاصة، بما يحمل فرصًا للتعاون ومخاطر على السيادة....

المبعوث الأمريكي إلى العراق: قراءة تحليلية في دلالات تعيين مارك سافايا والفارق بين المبعوث والسفير وتأثيراته على مستقبل العراق

التمايز الدبلوماسي بين السفير والمبعوث

من الناحية الدبلوماسية، يمثل السفير القناة الرسمية والدائمة للتواصل بين الدول، وفق اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، ويُعد الممثل القانوني والسياسي الكامل لدولته في الدولة المضيفة.

أما المبعوث الخاص فهو شخصية سياسية أو دبلوماسية تُعيَّن بقرار رئاسي أو حكومي لمهمة محددة ومؤقتة، وغالباً ما يتجاوز دوره الأطر البروتوكولية التقليدية.

ويتمتع المبعوث بمرونة أكبر، إذ يعمل بتفويض مباشر من رئيس الدولة في ملفات معينة مثل الطاقة، الأمن، أو إعادة الإعمار، دون أن يكون ملزماً بالتدرج الإداري المعتاد داخل السفارة.

بالتالي، يمكن القول إن السفير يمثل الدولة، أما المبعوث فيمثل الرئيس، والفرق بينهما يعكس طبيعة المرحلة السياسية التي تمر بها العلاقات بين البلدين.

الحدث الجديد — تعيين مارك سافايا مبعوثاً خاصاً للعراق

في 19 تشرين الأول / أكتوبر 2025، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عبر منصته (Truth Social) عن تعيين مارك سافايا (Mark Savaya) مبعوثاً خاصاً للولايات المتحدة إلى العراق.

وسافايا رجل أعمال من أصول عراقية كلدانية، يعيش في ديترويت – ولاية ميشيغان، وشارك في دعم حملة ترامب الانتخابية، وله علاقات واسعة مع الجاليات العراقية والأمريكية في الولايات المتحدة.

ووفق تقارير نشرتها وسائل إعلام أمريكية منها Fox News وKurdistan 24 وIraqinews، فإن هذا التعيين جاء لما يتمتع به سافايا من “فهم عميق للعلاقات العراقية–الأمريكية، وقدرته على تعزيز المصالح المشتركة للشعبين”.

حتى الآن، لم يُعلن عن كون هذا التعيين خاضعاً لموافقة مجلس الشيوخ الأمريكي، مما يعني أن المهمة أقرب إلى تعيين رئاسي مباشر وليس منصباً دبلوماسياً رسمياً دائمًا.

وهذا النمط من التعيين يعكس ما يُعرف في الدبلوماسية الأمريكية بـ “المبعوث الرئاسي الخاص”، أي شخصية سياسية تتحرك بحرية أكبر من السفير ضمن ملفات حساسة لا يمكن إدارتها عبر القنوات التقليدية.

الدلالات السياسية والاستراتيجية للتعيين

رسالة سياسية مباشرة

تعيين مبعوث خاص للعراق من قبل ترامب — رغم وجود سفير أمريكي رسمي في بغداد — يعني أن واشنطن لم تعد ترى في العلاقات الدبلوماسية التقليدية قناة كافية للتأثير في القرار العراقي.

بل إن الإدارة الجمهورية المقبلة (أو فريق ترامب) يسعى إلى إدارة الملف العراقي بصورة مركزية وخاصة، تتجاوز البيروقراطية الدبلوماسية.

وجود مبعوث من أصل عراقي يعني رغبة ترامب في استخدام الدبلوماسية المجتمعية الناعمة، أي النفاذ إلى الداخل العراقي عبر رموز مقبولة ثقافياً واجتماعياً.

إعادة صياغة العلاقة الأمريكية – العراقية

سافايا يمثل مقاربة مختلفة عن النمط العسكري أو الأمني الذي ميّز الإدارات السابقة. فهو رجل أعمال أكثر من كونه رجل أمن أو سياسة، ما يشير إلى أن واشنطن تسعى إلى تحويل العلاقة مع العراق من ساحة نفوذ أمني إلى ساحة نفوذ اقتصادي.

وذلك يتناغم مع منهج ترامب الذي يفضل “الصفقات على الحروب”، وقد يهدف إلى:

• إعادة التفاوض حول الملفات النفطية والطاقة.

• جذب الاستثمارات الأمريكية في البنية التحتية العراقية.

• ضمان بيئة مالية مستقرة تسمح بعودة الدولار إلى العراق ضمن ضوابط جديدة.

توجيه استراتيجي جديد تجاه إيران

من المعروف أن العراق يمثل نقطة التماس بين النفوذ الأمريكي والإيراني.

إرسال مبعوث خاص بصلاحيات مباشرة يعني رغبة ترامب في إعادة ضبط النفوذ الإيراني داخل العراق من خلال أدوات اقتصادية وشخصيات محلية، وليس بالمواجهة العسكرية.

وقد يشكل ذلك بداية مرحلة نفوذ أمريكي ناعم يستخدم الاقتصاد والمجتمع المدني كأدوات نفوذ بدلاً من القوة الصلبة.

التأثيرات المحتملة على العراق على القرار السياسي

وجود مبعوث خاص يتواصل مباشرة مع قادة سياسيين عراقيين قد يخلق ازدواجية في القنوات الرسمية:

فالسفارة الأمريكية تتعامل مع وزارة الخارجية، بينما المبعوث قد يتعامل مع مكتب رئيس الوزراء أو شخصيات مؤثرة خارج الإطار الحكومي، مما قد يؤدي إلى:

• تداخل في الأدوار وتضارب في المواقف.

• أو تعزيز الدور الأمريكي في توازن القوى السياسية الداخلية.

على الاقتصاد والسيادة

من المتوقع أن يركّز سافايا على الاستثمار والطاقة والقطاع المالي، خصوصاً مع استمرار أزمة الدولار وقيود الخزانة الأمريكية على التحويلات العراقية.

وجوده قد يساهم في:

• إعادة الثقة الأمريكية بسوق العراق المالي.

• فتح قنوات لتعاون مصرفي واستثماري جديد.

لكن بالمقابل، قد يُنظر إلى مهمته كـ بوابة لتكثيف النفوذ الاقتصادي الأمريكي بما يهدد استقلال القرار العراقي إن لم تُدار العلاقة بموازنة دقيقة.

على الإقليم

تعيين مبعوث خاص للعراق يعني أن واشنطن تنظر إليه بوصفه مفتاح توازن إقليمي بين إيران وتركيا والخليج.

فالعراق سيكون محور خطة أمريكية أوسع تهدف إلى:

• ربط الخليج بالمتوسط عبر الأراضي العراقية.

• تحييد بغداد عن النفوذ الإيراني.

• وبناء جسر اقتصادي جديد يقود إلى شرق المتوسط.

السيناريو الأول: انخراط إيجابي

إذا استثمرت بغداد وجود المبعوث في تعزيز التعاون الاقتصادي والتوازن السياسي، فقد يتحول المنصب إلى جسر استراتيجي لإعادة انفتاح العراق على الاقتصاد الغربي، وتحسين موقعه التفاوضي مع واشنطن والخليج.

السيناريو الثاني: تدخل مقنّع

أما إذا تحوّل المبعوث إلى قناة ضغط سياسي واقتصادي، فقد يؤدي ذلك إلى إضعاف السيادة العراقية وتكريس تبعية اقتصادية جديدة تحت غطاء “الشراكة الاقتصادية”، مما يعيد العراق إلى دائرة التأثير الأمريكي المباشر.

تعيين مارك سافايا مبعوثاً خاصاً للعراق يعكس تحوّلاً في النهج الأمريكي من الدبلوماسية الرسمية إلى الدبلوماسية الخاصة.

فالسفير يُجسّد العلاقة بين الدول، بينما المبعوث يجسّد العلاقة بين الرؤساء والنفوذ السياسي المباشر.

وبينما يراه البعض خطوة نحو تعزيز التعاون الاقتصادي، يراه آخرون عودة للوصاية الناعمة على القرار العراقي.

يبقى مستقبل هذا التعيين مرهوناً بقدرة العراق على التعامل معه كفرصة للتوازن لا للانصياع، وكمنصة للتعاون لا للارتهان.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *