المقدمة:تمثّل الضرائب والرسوم أداة أساسية في تمويل الدولة وتنمية خدماتها، لكنها في الوقت ذاته معيارٌ لمدى عدالة الإدارة العامة وإنصافها للمواطن. وحين تتحوّل هذه الأدوات من وسيلة لتنظيم المجتمع إلى عبء متكرر وإجراءات مرهقة، يصبح الإصلاح ضرورة وطنية لا غنى عنها. فالعدالة الضريبية والإدارية هي أساس الثقة بين المواطن والدولة، ومتى اختلّ هذا التوازن، ظهرت مظاهر التحايل والتعقيد والفساد. العرض:ازدواجية ضريبة المخالفة العقاريةمن أبرز مظاهر الخلل أن تُفرض غرامة المخالفة العقارية في كل عملية بيع متتالية، رغم أنّ المخالفة تتعلق بالعقار لا بالمالك. فيدفع البائع الأول الضريبة، ثم تُعاد على الثاني والثالث وهكذا، وهو ظلم بيّن. الحل المقترح: اعتبار المخالفة صفةً للعقار لا للشخص، وتثبيت دفعها لمرة واحدة في السجلات العقارية الإلكترونية لتمنع تكرارها مستقبلاً. والروتين في معاملات القروض العقارية تُرهق المواطنين شروط القروض، خصوصًا قروض الإسكان التي تتطلب كفيلًا حكوميًا، وإجازة بناء وسندًا حديثين. وإن تأخر المواطن أو أُعيد التقديم في العام اللاحق، يُلزم بدفع رسوم جديدة وتجديد المستندات. الحلول: إنشاء قاعدة بيانات تحفظ المعاملة إلكترونيًا لثلاث سنوات وإلغاء شرط الكفيل الشخصي والاكتفاء بضمان العقار أو التأمين المالي. ومنع فرض الرسوم المكررة ما لم يطرأ تغيير جوهري. ظاهرة استغلال الكفيلتحوّلت الكفالة إلى باب استغلال، إذ يشترط بعض الكفلاء تقاسم القرض أو الاستفادة من جزء منه. الحل: إلغاء نظام الكفيل الشخصي تدريجيًا، واستبداله بضمانات إلكترونية تعتمد على رقم المواطن وتحليل الجدارة الائتمانية، ما يحدّ من الابتزاز. العدالة التأمينية وتعويض المتضررينيفقد كثير من المواطنين حقهم في التعويض عن حوادث السيارات بسبب سقوط المطالبة بعد سنة من وقوع الحادث. وغالبًا لا يعلم المواطن بهذا القيد. الحل العادل: إلزام الجهات القضائية ومراكز الشرطة بإبلاغ شركة التأمين الوطنية إلكترونيًا فور الحادث، مرفقًا بمحضر كامل يحوي بيانات المتضرر والتقارير والصور. يعتبر هذا الإشعار تثبيتًا دائمًا لحق التعويض، فلا يسقط بمرور الزمن. تتولى الشركة التواصل مع المواطن مباشرة دون مطالبته بمراجعات متكررة. التبليغ الإلكتروني بدل الورقيما زالت أغلب الدوائر تعتمد المراجعة الورقية البطيئة. ويُقترح اعتماد التبليغ الإلكتروني الرسمي عبر رقم الهاتف الوطني المرتبط بوزارة الاتصالات، بحيث تُرسل الإشعارات عبر الرسائل أو تطبيق واتساب الرسمي، ويُعدّ ذلك تبليغًا قانونيًا يُغني عن الورق والمراجعة اليدوية. بيع العقارات عبر النافذة الواحدة تُرهق معاملات بيع وشراء العقارات المواطن بين البلدية والضريبة والتسجيل العقاري. الحل: إنشاء منصة موحدة (النافذة الواحدة) تُنجز البيع والشراء إلكترونيًا في يوم واحد، بتبادل البيانات بين الدوائر دون حاجة لمراجعات ميدانية. ظاهرة تشابه الأسماء وتعقيد المعاملاتيُستغلّ تشابه الأسماء الثلاثية لتعطيل المعاملات وفتح باب الرشوة، رغم اختلاف المواليد أو أسماء الأمهات. الحل: اعتماد الرقم الوطني الموحّد كأساس للتفريق بين الأفراد، ومحاسبة الموظف الذي يتعمّد التعطيل أو طلب تأييد لا مبرر له. الخاتمة:إن العدالة في الضرائب والإجراءات لا تتحقق بكثرة القوانين، بل بتبسيطها وتسريعها وإنفاذها بعدالة وشفافية. وحين تُرفع الأعباء عن المواطن وتُختصر الإجراءات، تتراجع فرص الفساد، وتُستعاد الثقة بالدولة ومؤسساتها. فالغاية من الإدارة العامة أن تخدم المواطن لا أن تُتعبه، وأن تيسّر عليه لا أن تُثقله، وهذه هي الطريق الحقيقية إلى إصلاح إداري واقتصادي شامل. |


