لطالما كانت جائزة نوبل للسلام عنوانًا للتكريم العالمي لمن يسعون إلى إنهاء الصراعات وبناء الجسور بين الشعوب. غير أن السنوات الأخيرة شهدت تحوّلًا في مفهوم الجائزة، حتى باتت في نظر البعض وسيلة سياسية أكثر منها إنسانية. وفي خضم هذا الجدل، يطل اسم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوصفه أحد أبرز الشخصيات التي دار حولها الحديث عن الجائزة، سواء من مؤيديه الذين رأوا فيه صانع سلام، أو من معارضيه الذين رأوه نقيضًا لذلك تمامًا.
ترامب… الرجل الذي أربك العالم
قد لا يختلف اثنان على أن ترامب كان ولازال أحد أكثر القادة إثارةً للجدل في العصر الحديث. فقد دخل البيت الأبيض بشعار “أمريكا أولًا”، وجعل من سياساته الخارجية سلسلة من الصدمات المتلاحقة التي هزّت التوازنات الدولية.
من فلسطين إلى الشرق الأوسط عمومًا، كان لترامب دور مباشر في إشعال الأزمات بدلًا من إخمادها. نقل سفارة بلاده إلى القدس، واعترف بها عاصمة لإسرائيل، في خطوةٍ اعتُبرت ضربة قاسية لآمال السلام العادل. ثم أطلق ما سُمّي بـ”صفقة القرن” التي كانت أقرب إلى تصفية القضية الفلسطينية منها إلى حلّها.
وفي الوقت نفسه، سعى لإظهار نفسه كصانع سلام من خلال اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، محاولًا تسويقها كإنجازٍ تاريخي يستحق جائزة نوبل للسلام. غير أن الواقع أثبت أن تلك الاتفاقيات لم تصنع سلامًا حقيقيًا، بل عمّقت الشرخ وأعادت ترتيب المشهد بما يخدم مصالح القوى الكبرى لا الشعوب.
بين الطموح والجائزة المفقودة
من المعروف أن ترامب كان يطمح علنًا إلى نيل جائزة نوبل للسلام، وكان لا يخفي امتعاضه من تجاهل لجنة نوبل له رغم “إنجازاته” كما كان يصفها. لكن المفارقة تكمن في أن الرجل الذي كان يسعى وراء تكريمٍ عنوانه “السلام”، هو نفسه الذي زرع بذور الفوضى في أماكن كثيرة من العالم، سواء من خلال سياساته الاقتصادية أو تهديداته العسكرية أو حتى خطاباته المليئة بالاستفزاز والانقسام.
لقد أظهر ترامب أن الجائزة لم تعد مقياسًا للأعمال النبيلة بقدر ما أصبحت أداةً تخدم التوجهات والمصالح السياسية. فحين ذهبت الجائزة إلى شخصياتٍ أخرى – مثل بعض النشطاء أو القادة الذين يعززون مصالح الغرب – بدا واضحًا أن معاييرها لم تعد ترتكز على النية الصادقة في نشر السلام، بل على مدى توافق الفائز مع الاتجاهات العالمية السائدة.
سلام من ورق
العالم اليوم يعيش نتائج تلك المرحلة؛ حروب تشتعل، ومجازر تُرتكب، وفوضى تعصف بدولٍ كانت تنعم بالاستقرار. كثير من تلك الأزمات يمكن تتبع خيوطها إلى السياسات الأمريكية وخصوصا بعد ما جاء ترامب للسلطة، التي صدّرت الفوضى والموت بدلًا من الأمل. لقد أثبت الرجل أنه لا يدير الولايات المتحدة بقدر ما يُدار من قبل مصالح اقتصادية وسياسية أكبر منه.
الخلاصة
ترامب لم يكن يستحق جائزة نوبل للسلام، لا لأنه لم يحقق السلام فحسب، بل لأنه مثّل نقيضه. لقد جسّد المفارقة الكبرى في عصرنا: أن يطمح من يزرع الفوضى إلى تكريمٍ يُمنح لمن يزرع السلام. أما الجائزة نفسها، فقد فقدت بريقها حين باتت تُمنح وفق المصالح لا المبادئ.
وفي النهاية، قد لا يحتاج التاريخ إلى لجان أو جوائز ليحكم؛ فالتاريخ وحده هو الجائزة الحقيقية، وهو من سيُسجّل أن دونالد ترامب كان رجلًا امتلك القدرة على إرباك العالم لا على انقاذه.


