من جديد، إرتكب العدو الصهيوني مجزرة وحشية بحق المدنيين في بلدة بنت جبيل عبر إستهداف مباشر لسيارة عائلة آمنة بواسطة طائرة مسيّرة، في جريمة حرب موصوفة وجريمة ضد الإنسانية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
لم يكن الهدف موقعًا عسكريًا أو مركزًا لقيادة، بل أطفال وإمرأة وزوجها عُزّل، شدّهم الحنين لتراب قريتهم لتفقد الأقارب.
وهذه الجريمة المجزرة خرق فاضح للأعراف الدولية وللقرار الأممي 1701 الصادر بتاريخ 11 آب 2006، والذي نصّ صراحة على وقف الأعمال العدائية وحماية المدنيين.
فمجزرة سيارة بنت جبيل تكشف الوجه الحقيقي لما يسمى “الجيش النظامي الإسرائيلي”، الذي تحوّل إلى ميليشيا عسكرية تقتل بلا رادع، وبلا قواعد. فلم يعد يفرّق بين طفل وامرأة أو مسنّ، بل يختار ضحاياه عمدًا، في استهداف مباشر لجوهر الإنسانية. فالمُشغِّلون للمسيّرات يتباهون بقدرتهم على القتل الإنتقائي، فيما القنّاصة التابعون للاحتلال يتمركزون عند مراكز توزيع المساعدات ليصطادوا المدنيين بأعصاب باردة، حتى أن بعضهم إعترف علنًا بقتل الأطفال متفاخرًا بجرائمه، بلا خشية من محاسبة أو رادع.
ورغم هول الجريمة، اكتفى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، بإدانة المجزرة ببيانات سياسية لم ترتقِ إلى مستوى تحمّل المسؤولية الوطنية والدولية، إذ لم تُرفع القضية إلى مجلس الأمن ولا إلى المحكمة الجنائية الدولية، كما فعلت دول أخرى مثل قطر، حين بادرت إلى المطالبة بتحقيق العدالة الدولية بعد العدوان الغادر عليها. هذا التقاعس يترك الباب مفتوحًا أمام العدو ليتمادى في القتل، مستندًا إلى غطاء أمريكي كامل، حيث أن أسلحة الجريمة أمريكية الصنع، والمنفذ هو الجيش الإسرائيلي بأوامر مباشرة من نتنياهو لأن أي إستهداف لا يتم إلا بموافقته.
إن هذه المجزرة ليست مجرد حادثة معزولة، بل هي جريمة ممنهجة في إطار سياسة إبادة وتطهير عرقي تستهدف الأطفال والنساء قبل الرجال في تحدٍّ صارخ لكل القوانين الإنسانية.
فسكوت المجتمع الدولي ومؤسساته الكبرى يرقى إلى مستوى التواطؤ، بل يجعلها شريكة في الدماء المسفوكة على تراب بنت جبيل وغزة والضفة معًا.
إن دماء الأطفال التي سالت لن تسقط بالتقادم، وستبقى وصمة عار على جبين مجلس الأمن والأمم المتحدة والمجتمع الدولي، ما لم يتحركوا فورًا لوقف هذه الإبادة ومعاقبة المجرمين.
وفي ختام هذه الشهادة على وحشية لا تُغتفر، نوجه نداءً صارخًا إلى المجتمع الدولي: كفّوا عن البيانات الشديدة اللهجة الفارغة وارفعوا الأقنعة — فالكلام دون عقوبات والتحقيقات يمنح المجرم غطاءً للاستمراية.
نطالب بفرض حظر فوري على تسليم السلاح إلى إسرائيل، وبفتح تحقيق مستقل تحت إشراف الأمم المتحدة وإحالة المتورطين السياسيين والعسكريين (بمن فيهم نتنياهو وقادة الجيش) إلى المحكمة الجنائية الدولية، وبتجميد كل أشكال التعاون الأمني والدبلوماسي مع من يرتكب هذه الجرائم.
كما نطالب بإنشاء آلية دولية لحماية المدنيين وفتح ممرات إنسانية آمنة فورًا، ودعم عاجل للضحايا وأسرهم لتعويضهم ومعالجتهم. إن الصمت أو التواطؤ سيجعل من الأمم والمؤسسات شريكة في الدماء؛ والعدالة وحدها هي طريق إزالة الوصمة ومنع تكرار المجازر.


