في ذكرى العروج … نصر الله، حُجَّةُ غرب آسيا

في ذكرى العروج ... نصر الله، حُجَّةُ غرب آسيا
يُقدَّم نصر الله رمزاً للمقاومة في غرب آسيا، جسّد الإيمان بالمبدأ عبر مسيرة حافلة بالتضحيات والانتصارات من تحرير 2000 وصمود 2006 وصولاً إلى طوفان الأقصى، ليختم حياته شهيداً على طريق القدس، شاهداً وحجّةً للأمة....

عامٌ مرّ على الرَّحيل، ولا يزالُ الجرحُ غائِراً يأبى أن يندمل؛ لأن الفقد استثنائي، والحزن على قدره، ولله عزّ وجلّ فيما أعطى وأخذ حكمةٌ بالغة، وقد علمنا ممّا وردنا من أخبار أنه يبعث بين الحين والآخر حجّةً على خلقه لئلّا يقولوا “لولا أرسلتَ إلينا رسولاً منذِراً، وأقَمْتَ لنا عَلَماً هادياً، فنتَّبعَ آياتِكَ منْ قَبلِ أنْ نَذِلَّ ونَخْزَى”، والعبارة هنا لا تختلفُ ولا تتخلّف، فنصر الله الرجل الاستثنائي في الزمن الصعب، جاء من أقصى جبل عامل يسعى، والأمّة في حالة انتكاسةٍ وتقهقُر، يسومُها العدوُّ سوءَ العذاب، وأتباع أهل البيت ع في الجبل الأبيض يُعَدّون في عِداد الدرجة الثانية أو ما يليها ضمن مقاييس المواطنة المزيفة، فنهض من أزقة الكرنتينا البائسة، وراح يدعو القريب والبعيد للّحاق بقافلة العشق الممتدّ سفرها عبر التاريخ من سنة 61 هجرية، وصولاً إلى الجاهلية الثانية، وعصر توبة البشرية، فلا يليق بسليل الحسين ع أن يرضخ لمعايير الأميركاني والإسرائيلي، ولا يهمّه في هذا الميدان أوقع على الموت أو وقع الموت عليه.

عمد منذ نعومة أظفاره هو ورفاقه إلى الالتحاق بحزب الله، الجماعة التي تؤمن بمواجهة القوة بالقوة، ولا تعطي بيدها إعطاء الذليل ولا تقرّ إقرار العبيد، إلى أن كسروا شوكة الاحتلال الصهيوني لبيروت سنة 1982، وبعد شهادة أستاذه ودليله إلى العلوم والمعارف الدينية وواسطته إلى السيد محمد باقر الصدر، أعني عبّاس المقاومة السيّد عباس الموسوي، تسنّم قيادة حزب الله أميناً على الأرواح والدماء، ولا يحتاج المتتبع لكثير مؤونة للبحث عن طبيعة قيادته للحزب، فشاهد الشهيد وابنه الشهيد دليل على التفاني والإخلاص في ذات الله، فالسيد هادي فلذة كبده ارتقى شهيداً بعملية فدائية مع مجموعة من رفاقه الشباب سنة 1997.

تكلّلت المسيرة بانتصار 25 أيار 2000، والانسحاب الكامل للعدو الصهيوني من الأراضي اللبنانية، مروراً بالصمود رلرجال أبي هادي عام 2006 خلال حرب الـ33 يوماً، وصولاً إلى معركة طوفان الأقصى التي مثّلت اختباراً مفصلياً للمواقف بين من يقف ليفدي فلسطين بكل ما يملك ومهما كان الثمن، ولا يرجو بذلك غير رضا ربّه، وأداء تكليفه الشرعي، وما يقتضيه الضمير الإنساني، وتحتّمه الفطرة السليمة، وبين من يقف متفرجاً على عَدَّاد الشهداء والجرحى والثكالى، وهو يتصاعد بشكل هستيري، وبين مطبّع خانعٍ ذليل، يترك الباب موارباً أمام كلّ غادٍ ورائحٍ، صهيونياً كان أم غيره.

نصر الله اختار لنفسه طريقاً يعلم بدايته ومنتهاه، ويُلقي بذلك حجّته الدامغة على منطقة غرب آسيا برمّتها، بل على العالم كلّه، حجّة تضمّخت بالدمّ، وتسمّرت بثمانين طنّاً من المتفجرات، في معركةٍ يراها غيره خاسرة، بينما يراها هو نصراً مبيناً، فلا مجال للخسارة في معركة المبدأ، فـ”عندما ننتصر ننتصر، وعندما نُستَشهَدُ ننتصر”، ليختم حياته كما أراد، وكما أحبّ، شهيداً على طريق القدس، ورحم الله الشاعر حيث قال:

ألا كم كريمٍ عَدَّهُ الدَّهرُ مُجرِماً *** فلمّا قضى صلّى عليهِ وَسَلَّمَا

فهل بعدَ نصر اللهِ من عذرٍ لِمُعتَذِرٍ؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *