من المهم الإشارة ابتداءً أن الاستراتيجية العسكرية الأمريكية تحولت كثيرًا خلال السنوات الماضية من خلال تخفيض الاعتماد على العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات الأمريكية على الأرض، إلى الاعتماد أكثر على التفوق التكنولوجي والجوي والبحري الذي يسمح بتحقيق الأهداف دون الحاجة لوجود قوات بشرية على الأرض. هذا التغيير الاستراتيجي كان مدفوعًا بعدة عوامل، ربما أهمها الرفض الشعبي الأمريكي الكبير من الدخول في حروب تقليدية جديدة تتسبب بخسارات بشرية، إلى جانب الكلفة الباهظة للحروب الكلاسيكية والتي لم تعد الخزينة الأمريكية قادرة على تحمل المزيد منها، خصوصًا أن هناك اليوم عجزًا هائلاً كسر حاجز 37 تريليون دولار يقابله سندات خزانة لم تعد مطلوبة عالميًا كالسابق.
التحول نحو التكنولوجيا والحروب الحديثة
في المقابل، فإن التقدم التكنولوجي الكبير والمستمر للترسانة العسكرية الأمريكية حقق للولايات المتحدة تفوقًا واضحًا أمام منافسيها، مما ساهم أيضًا في زيادة التحول أكثر بعيدًا عن العمليات التقليدية التي تعتمد على العامل البشري. هذا التحول الأمريكي فتح الباب واسعًا لإدارة الصراعات والمواجهات العسكرية بالاعتماد أكثر على أطر وسياقات حروب الجيل الخامس التي تركز على مزيج من الهجمات الجوية أو الضربات البحرية والبرية بعيدة المدى أو الاستهداف السيبراني والمخابراتي والإعلامي الناعم، مدعومًا باستخدام أدوات العقوبات الاقتصادية وفرض الرسوم الجمركية. هذا الجيل من الحروب قد لا يتسبب بتغيير أنظمة ولا يقلب الحكم، لكنه يتسبب بإضعاف شديد واستنزاف كبير للدول والأنظمة المستهدفة، عسكريًا واقتصاديًا وماليًا، ويساهم أيضًا في تخريب علاقات تلك الدول المستهدفة مع المجتمع الدولي ويشوه من سمعتها وسمعة قيادتها ويجعل شعوبها في حالة احتقان وعداوة مع حكوماتها.
إلغاء تفويض حرب العراق (AUMF) يحمل تداعيات اقتصادية كبيرة على السياسة الأمريكية، حيث يعزز من توجه الولايات المتحدة نحو تقليص الإنفاق العسكري المباشر على العمليات البرية باهظة التكلفة، مما يخفف الضغط على الموازنة الفيدرالية. كما يشجع هذا القرار على إعادة توجيه الموارد المالية نحو تعزيز القدرات التكنولوجية والسيبرانية، التي تتطلب استثمارات أقل نسبيًا مقارنة بالحروب التقليدية. ومع ذلك، قد يؤدي إلى تقليص العقود العسكرية مع شركات الدفاع، مما يؤثر على بعض القطاعات الاقتصادية المرتبطة بها. في الوقت نفسه، يعزز هذا التحول من الاعتماد على استراتيجيات اقتصادية غير عسكرية مثل العقوبات، التي تحقق أهدافًا سياسية بتكلفة مالية أقل. وبالتالي، يعكس هذا القرار تحولًا استراتيجيًا يراعي التوازن بين الأهداف السياسية والقيود الاقتصادية.
تداعيات إلغاء التفويض على السياسة الأمريكية
ورغم أن قرار مجلس النواب الأمريكي بإلغاء تفويض حرب العراق قد قطع الطريق على الرؤساء الأمريكيين لشن حروب تقليدية تتطلب قوات أمريكية على الأرض، إلا أن هذا القرار لن يتسبب غالبًا في منع الرئيس الأمريكي ووزارة حربه الجديدة في تعزيز حروب الجيل الخامس الأمريكية، لكن الهدف هذه المرة سيكون التحييد والإضعاف والاستنزاف وليس التغيير.


