في ليلةٍ عابقةٍ بالنور، تنفّست مدينة الرسول عطرًا سماويًّا، وتهادى في الأفق نداءُ الفجر مع النسيم:
“وُلدت زينب” فاهتزّت الأرواح شوقًا، واستبشرت الأرض بميلاد الحنين المجبول على الإباء.
زينب، زهرةُ الطفولة التي نشأت في ظلال الوحي، وتفيّأت أنوار العصمة، فكانت في كلّ لحظةٍ تجسيدًا للجمال الممزوج بالعظمة، وما بين حِجْر الزهراء ونظرات المرتضى، ترعرعت لتكون صدى الحقّ في ترتيلة الولاء على ثرى كربلاء، لأنها
الامتداد الحقيقيّ للنور النّبويّ الفاطميّ العلويّ الحسنيّ الحسينيّ.
وُلدت زينب، لتكون في مدرسة عليٍّ وفاطمة، صفحة ناصعة من سِفْر الله على الأرض، كبُرت وفي عينَيها بريقُ البصيرة من جذر النّبيّ، وفي قلبها عزيمةُ السماء.
أنيسة العصمة البتول، ومَن كانت ترى في صبر أمّها نهجًا، وفي صمت أبيها حكمة، وفي ملامح الحَسن الحلم والأناة، وفي إباء الحسين نداءُ التضحية، إذ أكملت فصولها لاحقًا في غَيهبِ الطفوف.
مذ بلغت السادسة من عمرها،شرَعت ترسم فصول الفناء في سبيل الله، وحينما عبرتْ دروب الحياة في عفّة واحتجاب، خُطّت سيرتها بمداد الدموع وصمتُ الكبرياء، تلك الدموع التي صنعت شموخًا في ثنايا كلمة أطلقتها، كانت كفيلةً بأن تُعيد تعريف الألم بلذة التسليم، وتمنح الصبر معنىً آخرًا يليق بأفقِ امرأة تفيض بالطهر والعظمة.
حريّ بكلّ امرأةٍ اليوم تبحث عن ذاتها في عالمٍ مضطرِب، ستجد في زينبَ مرآة تُعيد إليها صفاء الفطرة، وتذكّرها أنّ الكرامة لا تُستعار، وأنّ العزّة لاتصنعها المساحيق، وليس الوهج في المظهر، بل في جوهرٍ طاهرٍ لا يتغيّر، ومن داخل النفس تُصاغ الهيبة، ومن عمق الصدق تُبنى المكانة.
زينب، يا نَفَسَ الصبر إذا اختنق الصابرون، امنحينا سِرّ قوّتك، يوم صُغرت الدنيا بنظركِ الأجمل، فلم ترَ إلّا الجميل ساعة العسرة والبلاء.
إنّا نلوذ باسمك المزيون، حين يثقلنا الوجع، ونستحي من صبرك الشامخ حين يضيق صدرنا بشيءٍ يسير، فمنكِ تعلّمنا كيف يُصبح الألم طريقًا إلى الله، وكيف يُصبح الانكسار وجهًا آخرًا للعظمة.
يا ابنة الزهراء، اغمري أرواحنا بنور رضاكِ، ومسحة من كفّكِ الرؤوم لتسكن القلوب حين تضطرب.
كوني لنا درسًا في الثبات، وضفّة أمان في بحر الرزايا، لنحمل الكلمة الصادقة، واليقين الذي لا يذبل،
حتّى الوصول لمرتعِكم آل محمد راضين مطمئنين.
وفي ذكرى مولدك، لكِ منّا العهد والسلام، سلامٌ عليكِ مدرسةً في العفّة والثبات، سلامٌ عليكِ قدوة تُنير دروب المؤمنين والمؤمنات، إلى أن يرث اللهُ الأرضَ ومَن عليها.
 
															 
								 
															


 
								 
								 
								 
								 
								 
								 
								 
								 
								