أطول حلم في التاريخ هو الحلم العراقي
لا يبدأ بنوم، ولا ينتهي بصحوة.
إنه حلم يعيش في النهار والليل، في الحرّ والبرد، في الازدحام وانقطاع الكهرباء
حلمٌ عمره أكثر من قرن، يطارد العراقي من جيلٍ إلى جيل، حتى صار الحلم موروثًا مثل اللقب والعنوان
العراقي لا يحلم بالمستحيل فقط بالأبسط:
أن يشرب ماءً لا لون له، أن يرى شارعًا بلا حفرة، أن يمر يوم دون أن يُقال له “ماكو”، أن يفتح الثلاجة ويجد كهرباءً تشغّلها.
لكن يبدو أن أبسط الأحلام في العراق تحتاج معجزة والمعجزات توقّفت بعد أن دخلت السياسة في كل شيء، حتى في الأقدار
في كل موسم انتخابي، يُعاد إنتاج الحلم، بتغليف جديد ووجه مبتسم على الشاشة
السياسي يقول:
“سنبني”، وكأنه يتحدث عن مدينة في القمر، ثم ينام مطمئنًّا لأن الشعب سيصدّق مرة أخرى.
العراقي يصفّق، لا عن قناعة، بل من عادة قديمة، من أثر “خلي نجرب يمكن خير مع أن التجارب عندنا تُكرّر نفس الفشل، بنفس الممثلين، فقط تتغيّر القناة.
الحلم العراقي لا يموت، بل يتحوّل.
حين يفقد الناس الأمل في الكهرباء، يبدأون يحلمون بمولدة لا تتعطل.
وحين يفقدون الأمل في الخدمات، يحلمون أن لا تغرق بيوتهم بالمطر.
وحين يفقدون الأمل في العدالة، يحلمون أن الفاسد يُصاب بضمير ولو مرة في العمر
حتى الأطفال صاروا يعرفون أن الحلم هنا لا يتحقق، بل يُؤجَّل مثل الرواتب.
يُقال لهم:
“اصبروا”، “الوضع يتحسن “الخطة القادمة”…
لكن الخطة القادمة دائمًا تأتي ومعها أزمة جديدة:
مرة دولار، مرة ماء، مرة انتخابات، مرة انقطاع الإنترنت “للأمن الوطني
العراقي يعيش بين الحلم والنكتة، كلما أراد أن يضحك على واقعه، صار هو النكتة نفسها.
يُقال:
العراقي قوي، يتحمّل…
نعم، لكنه لم يُخلق ليعيش على الصبر وحده ولا ليقضي عمره يصفّق لمن يسرقه ثم يطلب منه وعدًا جديدًا.
الحلم العراقي أطول من الليل، أطول من الدستور، أطول من وعود الإصلاح.
يبدأ من “سنغيّر” ولا ينتهي بـ”عذرونا
حلمٌ صبور مثل شعبه، متعب مثل أرضه، ومعلّق بين السماء والأرض مثل شعار “العراق أولاً”.
ومع هذا، لا أحد يريد أن يصحى منه، لأن الاستيقاظ مؤلم.
في الحلم على الأقل، العراق بخير، والشوارع نظيفة، والوزراء يخدمون الناس، والماء عذب، والعدالة تمشي على قدمين.
لكن عندما يرنّ المنبّه، يعود الصوت الحقيقي:
“ماكو كهرباء، راحت الشبكة، ارتفع الدولار
ربما سيأتي يوم يستيقظ العراقي من حلمه الطويل…
لكن إن حدث ذلك، فسيحتاج أولاً إلى تأشيرة دخول إلى واقعٍ اسمه “بلد طبيعي
حتى ذلك الحين، سيبقى العراقي نائمًا مفتوح العينين، يبتسم بمرارة، ويقول لنفسه
 
															 
								 
															
 
								 
								 
								 
								 
								 
								 
								 
								 
								