خور عبدالله الجرح الذي تراكم عليه النسيان

خور عبدالله الجرح الذي تراكم عليه النسيان
قضية خور عبدالله تكشف هشاشة الذاكرة الشعبية، وخيانة القوى السياسية، وتلاعب الإعلام الموجَّه، ما يجعلها رمزًا لصراع السيادة. الصمت المجتمعي خيانة جماعية، والتهاون اليوم يعني خسارة الاستقلال غدًا في لعبة جيوسياسية أكبر....

الحراك الجماهيري الذي انفجر قبل خمسين يومًا حول قضية خور عبدالله لم يكن مجرد احتجاج عابر، بل كان صرخة وطنية كبرى هزّت وجدان الشارع العراقي، غير أنّ هذه الصرخة أخذت تخفت شيئًا فشيئًا حتى تلاشت في غبار النسيان وكأنها لم تكن!

السؤال الجوهري: لماذا يتكرر هذا المشهد في كل قضية مصيرية تمسّ العراق؟ لماذا يثور الشارع لبرهة ثم يخمد وكأن الأمر لا يعنيه؟

في تقديري هناك ثلاثة عوامل رئيسة صنعت هذا الانطفاء:

  1. الذاكرة الجمعية الهشة: ذاكرة المجتمع التي تشبه “ذاكرة السمك”، إذ سرعان ما تنشغل بقضية جديدة وتنسى ما قبلها. هذه ليست ظاهرة عابرة، بل تراكم تاريخي مَرَضي، تعود جذوره إلى عقود طويلة من التهميش والتخدير السياسي.
  2. القوى السياسية الخائنة للمسؤولية: تلك القوى التي باعت قضايا الشعب تحت ضغط المصالح الخارجية، فاستسلمت لإملاءات الثالوث المشؤوم (أمريكا – بريطانيا – الكيان الصهيوني)، فحوّلت العراق إلى ساحة صفقات رخيصة بدلاً من أن تكون قضية خور عبدالله قضية سيادة وطنية لا تقبل المساومة.
  3. الإعلام الموجَّه: الذي يدار من “غرف مظلمة” في الداخل والخارج، وتتحكم به منظمات دولية ترسم ملامح الشرق الأوسط الجديد وفق أجندات تقسيمية، فيُدار الرأي العام وكأنه لعبة خيوط تُحرّك من وراء الستار.

التأثيرات الخارجية على السيادة

إن قضية خور عبدالله تكشف بوضوح مدى التدخلات الخارجية التي تهدف إلى إضعاف السيادة العراقية. هذه التدخلات ليست وليدة اللحظة، بل جزء من استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تقسيم الموارد والسيطرة على الممرات المائية الحيوية. الضغوط السياسية والاقتصادية التي تمارسها قوى دولية تعمل على تحجيم دور العراق الإقليمي، مما يجعل قضايا مثل خور عبدالله أدوات في لعبة جيوسياسية أكبر. هذا الواقع يتطلب تحليلًا معمقًا للعلاقات الدولية والمصالح المتضاربة التي تؤثر على استقرار العراق. إن تجاهل هذه الأبعاد يعزز من هشاشة الموقف الوطني ويضعف قدرة المجتمع على مواجهة التحديات.

المسؤولية الجماعية والصمت

هنا تكمن الخطورة: أن يتحول المجتمع إلى متفرج، يتلقّى الحدث لحظة انفجاره ثم يتخلى عنه عند أول موجة إعلامية عابرة. هذه خيانة جماعية كبرى، لا تقل جرمًا عن خيانة الساسة الفاسدين، لأن السكوت عن الحق يمنح الخونة شرعية الصمت الشعبي.

اليوم، إذا تخلّى المجتمع عن المطالبة بحقوقه وتناسى قضاياه المصيرية، فإن الأجيال القادمة ستلعننا، كما لعن التأريخ أولئك الذين سكتوا عن جرائم الأمس. سنورّث لهم وطنًا مختنقًا، مقسّمًا، غارقًا في ولاءات قومية ومذهبية تُساق بأوامر الخارج.

إنّ قضية خور عبدالله ليست ورقة تُطوى، بل امتحان حقيقي لمدى استعداد الشعب لتحمّل مسؤولياته. ليست مجرد نزاع حدودي، بل معركة على السيادة الوطنية والكرامة الشعبية.

وعلى هذا الأساس:

  • المجتمع إذا أراد الحياة، عليه أن يخرج من دائرة “الفقاعة الإعلامية” التي تكبر ثم تنفجر لتختفي.
  • النخبة الواعية مطالبة بكسر جدار الصمت وتذكير الناس يوميًا أن الحقوق لا تُسترد بالهتاف المؤقت، بل بالمتابعة المستمرة والضغط الشعبي المتواصل.
  • الخونة لن يتوقفوا عن البيع في سوق المصالح، ما لم يشعروا أن الشارع يراقبهم ويحاسبهم.

إذن… إمّا أن نكون أو لا نكون. فالصمت اليوم يعني القبول غدًا، والتهاون اليوم يعني خسارة السيادة إلى الأبد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *