Search
Close this search box.

صواريخ صدام ٣٩ والتبجّح الفارغ!!

صواريخ صدام ٣٩ والتبجّح الفارغ!!
منذ ثلاثة عقود وأكثر، لا يزال بعض العرب – عن جهلٍ أو عنادٍ أو افتتانٍ مرضي بالاستعراض الفارغ – يلوّحون بمشهد الصواريخ الـ ٣٩ التي...

منذ ثلاثة عقود وأكثر، لا يزال بعض العرب – عن جهلٍ أو عنادٍ أو افتتانٍ مرضي بالاستعراض الفارغ – يلوّحون بمشهد الصواريخ الـ ٣٩ التي أطلقها صدام حسين على إسرائيل خلال حرب الخليج الثانية، باعتبارها بطولة خارقة و”صفعة تاريخية” لكيانٍ متغطرس. هؤلاء لا يسألون أنفسهم عن النتائج، ولا عن المآلات، ولا عن الكلفة. إنهم يحتفلون بالحدث لا بآثاره، وبالصوت لا بالمعنى، وبالدخان لا بما خلفه من رماد.لقد أراد صدام بتلك الصواريخ أن يصنع صورة لا واقعا. أراد أن يُظهر نفسه حامي البوابة الشرقية وقائدٍ قوميّ في زمن الانهيار، بعد أن ورّط شعبه في حربٍ لا طائل منها ضد إيران لثماني سنوات، ثم دفعه إلى محرقة جديدة بغزوه للكويت. الصواريخ التي انطلقت نحو تل أبيب لم تك سوى صدى مرتجف لصوتٍ يريد أن يُسمع العالم أنه لا يزال موجوداً، لكنها لم تغيّر في ميزان القوى شيئاً، لم تسقط طائرة واحدة، لم تدمر مركزاً استراتيجياً إسرائيلياً واحداً، بل كانت – حرفياً – صواريخ فزعٍ إعلامي، أكثر منها أدوات قتال.والأدهى من ذلك أن تلك الصواريخ، بدل أن تضعف إسرائيل، دفعتها إلى مزيد من الاستعداد واليقظة والتحالفات، وجلبت لها من التعويضات الدولية ما أنعش اقتصادها، وساعدها في تطوير منظومات دفاعها الصاروخي إلى مستويات باتت اليوم من الأعقد والأدق في العالم. وإسرائيل حينها لم ترد على العراق عسكرياً، ليس خوفاً من قوّته، بل لأن الولايات المتحدة وحلفاءها أرادوا الحفاظ على وحدة التحالف الدولي ضد بغداد، فقيّدت تل أبيب في لحظة حرجة، لا حبّاً بالعراق، انما حفاظاً على مصالحها الكبرى.والآن، بعد ثلاثين عاماً، نرى البعض لا يزال يحتفي بتلك الضربات، وكأنها  معارك بدر أو اليرموك، ويتجاهل أن صدام نفسه  دخل في مفاوضات سريّة مع إسرائيل، و باع القضية الفلسطينية في سوق المزايدة السياسية، وفي النهاية ترك العراق جريحاً، محاصراً، منهكاً، ممزقاً، بعد أن دُكّت مدنه وأُحرقت خزائنه.وفي المفارقة المريرة، بينما العرب – الذين طالما تغنوا بصواريخ صدام – يكتفون بالصمت أو الشجب الباهت أمام المجازر اليومية التي ترتكبها إسرائيل اليوم في غزة، نجد إيران، رغم كل تحفظاتنا على سياساتها وتدخلاتها، تقف موقف مختلف جذرياً. لقد أطلقت صواريخ حقيقية، عبّرت بها عن تحول نوعي في الردع، وضربت قواعد عسكرية إسرائيلية، ونجحت في اختراق ما كان يوماً يُعتبر “الدفاع الجوي الأسطوري” لتل أبيب. فهل هذه الجرأة تشبه تبجّح صدام؟!!

الإجابة واضحة: ما فعلته إيران فعلٌ محكوم برؤية استراتيجية – سواء وافقناها أو خالفناها – بينما صدام مارس سياسة الصوت العالي كمن يضرب المايكرفون في مسرحٍ فارغ. إيران لم تكتف بالخطاب، بل دخلت في معادلة الرد والردع، وربما غيّرت شكل الصراع في المنطقة إلى الأبد، بينما لم يغيّر صدام سوى ملامح الخريطة العراقية من دولة إلى سجنٍ مفتوح، ثم إلى ركام.علينا أن نخرج من وهم الأفعال الصورية، ونكفّ عن تزيين الجراح بتماثيل الطغاة. ما ينفع الأمة هو الفعل المدروس لا الصراخ المنفلت، وما يردع العدو الحسابات الدقيقة لا التهديدات الجوفاء. أما من لا يزال يعيش على وهم صواريخ الـ٣٩، فعليه أن ينظر في المرآة ليرى أن ما يحتفي به لم يك إلا عزفاً نشازاً على جثة وطن، واحتفالاً بنصرٍ لم يقع، في معركةٍ لم تُخض، من أجل قضيةٍ لم تُخدم، وبيد قائدٍ لم يكن يوماً جديراً بالثقة..ما تفعله أيران اليوم بداية موفقة

من أجل نهاية كيان غاصب دموي الفعل!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *