العراق اليوم يحتاج ان ينتقل إلى مرحلة جديدة في خلق فرص استثمارية جديدة ليست فقط في قطاع البناء بل في قطاعات الاستثمار الزراعي الذي يجلب المليارات
ماذا لو تمكن العراق من استثمار واستزراع اكثر من 18 عشر مليون دونم من الأراضي الزراعية
نعم، الاستثمار الزراعي في العراق محفوف بالمخاطر ولكن اذا بقي في البيئة التقليدية القائمة على العشائر، والمياه السطحية، والأراضي المتنازع عليها لن يتمكن العراق من النهوض الاقتصادي والتطوير الزراعي ولكن علينا ان نتذكر ان هذا ليس حكما نهائيًا، بل دعوة لإعادة هندسة النموذج الزراعي بشكل اكثر حداثة ودينامتكيةً
يوهم من يعتقد ان القطاع الزراعي قطاعاً خاسرا في العراق بل هو اداة اقتصادية فعلية ومستدامة لتحقيق الرفاه الاقتصادي للدول وهنالك اقتصاد بالكامل اسمه الاقتصاد الزراعي لكن مشكلة القطاع الزراعي في العراق انه قطاع مخنوق بسبب إهمال الدولة عنه
عدم تحرير نصوص القوانين الفاعلة في دعم المشاريع الزراعية والإقراض الزراعي
وهنا نحتاج إلى تحريره بشكل اكثر واقعية في اعادة هيكلتها لا من الانسحاب منه وترك منتجات كل دول الجوار تغزو اسواقنا وتخنق الاقتصاد العراقي هنا نحتاج إلى إحياء فكرة الانتقال من قروض فردية صغيرة ومتوسطة إلى موديلات شركات إنتاجية مشتركة.
ان ننتقل فكرة من الأراضي التقليدية ضمن المجتمعات العشائرية إلى مزارع استراتيجية نموذجية بعيدة عن النزاعات.
هنا نحتاج ان ننتقل من الري البدائي الكلاسيكي إلى استحداث تقنيات جدا متقدمة في استمطار واستزراع حديثة.
ان ننتقل بعمليات مصرفية حديثة وغير نمطية من تمويل منقطع إلى مشاركة مصرفية مؤسسية
هل الاستثمار الزراعي مرتفع المخاطر؟
نعم، الزراعة التقليدية تعد من الأنشطة مرتفعة المخاطر في البيئات غير المستقرة مناخياً وقانونياً لكن هذه الحقيقة لا تلغي الحقيقة الأخرى ان أغلب اقتصادات العالم التي حققت الأمن الغذائي والنمو القائم على الريف نجحت في ذلك عبر
- تحويل الزراعة من نمط فردي إلى مؤسساتي.
- استخدام أدوات التمويل الجماعي والمصرفي التشاركي.
- إدارة المخاطر بالمشاركة الحكومية في الجوانب غير الربحية (كالماء، الحماية البيئية) والاستمطار الصناعي
هنالك حلول تكمن في الحل: فصل الاستثمار الزراعي عن الإقطاع العشائري
في بيئة مثل العراق يتميز بامتلاكه أراضٍ زراعية خارج نطاق العشائر: مثل بادية كربلاء، السماوة، النجف، الناصرية، وصحراء الأنبار.
ان هذه المناطق تشهد اليوم بالذات مشاريع زراعية حديثة ناجحة في زراعة الحنطة باستخدام تقنيات الرش المحوري والمرشّات عالية الكفاءة.
نحتاج إلى توسيع الاستثمار في محميات جديدة وبتفعيل هذه الأراضي خارج السيطرة العشائرية، نضمن الأمان القانوني والمالي للعقود ونخلق بيئة زراعية مستقرة
نحتاج إلى التمويل الزراعي من خلال المصارف الإسلامية والمصارف الاستثمارية والشراكات الذكية بين القطاع الخاص وقطاع المصارف
اي احياءً فكرة المشاركة المصرفية بدل القروض التقليدي من خلال احياءً فكرة بدل القروض الفردية للمزارعين، يتم إنشاء شركات زراعية مشتركة (Joint Ventures) بين المصارف (الإسلامية والتجارية) والقطاع الخاص.
وهذه التجربة كانت في العراق مثلما بدأ به المصرف الأهلي الزراعي في التسعينات، ثم تحول لاحقا إلى المصرف الأهلي للاستثمار
تمويل مشاريع زراعية جديدة صغيرة – ومتوسطة مستدامة للخريجين الجدد
ان فكرة توزيع وحدات زراعية من 50 إلى 100 دونم على خريجي كليات الزراعة والهندسة الزراعية ضمن هيكل تنظيمي مشترك هي خطة جريئة اقدمت عليها الكثير من الدول التي سبقتنا في هذا المجال ان الفكرة قائمة بان المصارف تقوم او تعمل دم التمويل المالي عبر قروض المشاريع الصغير والمتوسطة بالتنسيق مع البنك المركزي العراقي
ووزارة الزراعة تقدم التقنيات الجديدة والبذور الحديثة
ووزارة الري تدير عملية الري والاستسقاء عبر الاستمطار الصناعي والخريجون يديرون العملية على مراحل مربوطة بالأداء والتقييم بإشراف الزراعة والبنك المركزي العراقي
ان فكرة الاستمطار الصناعي هي حل واقعي ومجرب بالكثير من دول المنطقة
ان فكرة الاستمطار الصناعي ليست رفاهية، بل أداة حماية استراتيجية في مواجهة التصحر ونقص المياه وزيادة العملة الصعبة من المحاصيل الاستراتيجية المصنعة
لناخذ نماذج تقريبية من الكلفة السنوية للاستمطار الصناعي لدولة كالإمارات لم تتجاوز 45 مليون دولار، رغم تغطيتها الجوية والتقنية المتقدمة.
أما في العراق، حيث سيتم استهداف رقع جغرافية محدودة فقط (بادية كربلاء/السماوة الناصرية كربلاء النجف والأنبار
فإن الكلفة التقديرية للمرحلة الأولى لن تتجاوز 10-45 مليون دولار سنويا
وهذا بالتأكيد يمكن أن تتكفل به الدولة أو عبر شراكة مع شركات خليجية أو صينية متخصصة، دون تحميل المزارع أي عبء.
كيف نواجه مشكلة توفير الحماية لإشكاليات الضمانات المصرفية في البيئة العشائرية؟
ان فكرة الابتعاد عن أراضي العشائر هو الحل الأمثل في هذه المرحلة الحرجة
لكن ايضا علينا ان نتذكر حتى ضمن البيئة التقليدية، هناك فرصة لخلق نماذج تأمين ممكنة للواقع الزراعي العراقي
- إنشاء مدينة لشركات تأمين زراعي متخصصة تُضمن العائد.
- ضمان حكومي للمحفظة الزراعية عبر وزارة الزراعة أو وزارة المالية.
- إنشاء صناديق سيادية زراعية تعوّض الفشل وتعزز الاستقرار البنكي.
- خلق قوانين اكثر تطورا في خدمة تحصيل الديون المصرفية عبر الضمانات المصرفية
- اعادة صياغة ومراجعة شاملة جذرية لقانون التسجيل العقاري النافذ
ان الغاية الأساسية تكمن: في تحرير الاقتصاد العراقي من الهيمنة الدولارية – من الأرض لا من السماء
إن استيراد الحنطة والأرز والسكر والذرة هو أحد أكبر منافذ استنزاف العملة الصعبة.
كل طن يزرع في العراق يعيد إلى الخزينة مئات الدولارات كان يمكن أن تحول خارجيا
إعادة سيادة الإنتاج الزراعي المحلي هي الخطوة الأولى للتحرر من الهيمنة النقدية الأميركية ومضاعفات سياسة التحويلات البنكية وفك فكرة الاختناق الاقتصادي او القتل الاقتصادي عبر الابتعاد عن الاقتصاد الريعي النفطي
نعم ان فكرة الاستثمار الزراعي ليس سهلا بل محطة انتقالية صعبة للعراق واقتصاده ولكن ضرورة وجودية للعراق في هذه المرحلة الصعبة التي تشهد أقوى أنواع الهيمنة الاقتصادية بين الدول
نعم ان المصارف ليست جمعيات خيرية ولكن من مصلحتها أن تتحول من “تاجر عملة وكمبيالات” وخطابات ضمان إلى مستثمر استراتيجي في أمن البلد الغذائي.
ما نطرحه ليس حلما” بل نموذجا وطنيا ناجحا في دول أخرى ويمكن جعله نموذج عراقي بذكاء اقتصادي ومصرفي وزراعي مشترك.