سردية المواطنة في التراث الشعبي

سردية المواطنة في التراث الشعبي
التراث الشعبي هو الروح النابضة في جسد المجتمع والمعبر الحقيقي عن آماله وتطلعاته نحو الغد المشرق وهو لسان حال الجماعة ويتم التعبير عنه من خلال الفرد...

التراث الشعبي هو الروح النابضة في جسد المجتمع والمعبر الحقيقي عن آماله وتطلعاته نحو الغد المشرق وهو لسان حال الجماعة ويتم التعبير عنه من خلال الفرد حينما يتعرض المجتمع إلى تهديد خارجي فتكون الحاجة ملحة لطرح حكايات وقصص وأحداث تستنهض الهمم وتقوي العزيمة وتشد الناس بعضا إلى بعض بغية الوقوف بوجه الغازي , حيث تنتشر هذه الخطابات بين الناس كانتشار الغبار في الهشيم وتحقق فعلها الذي أوجدت من اجله , وعلى مر التاريخ المشرف لامتنا العربية وجدنا حكايات كثيرة ركزت شكلا ومضمونا على تعزيز روح المواطنة واستلهامها في نفوس الناس , فحينما تعرض شعبنا العربي في فلسطين إلى الاحتلال الاستيطاني الصهيوني انبرى الأدباء والكتاب والشعراء لتعزيز أصالة التراث الشعبي الفلسطيني واستلهامه وإعادة طرحه بشكل جديد لتأكيد عراقة العرب في فلسطين ودحض المزاعم الصهيونية في ارض فلسطين وفي العراق وبعد الحرب العالمية الأولى وما رافقها من احتلال بريطاني مهين وانتفاضة الشعب العراقي بوجه هذا الاحتلال الغاشم متمثلة بثورة العشرين انتشرت من جديد الحكايات الشعبية والقصص الوطنية مستنهضة الشعب للوقوف صفا واحدا بوجه المستعمر المحتل , وحينما كشرت الأطماع الاستعمارية عن أنيابها الخبيثة وعادت من جديد تحت شتى الذرائع والمسوغات الكاذبة لاحتلال العراق عام 2003م بغية الاستيلاء على ثرواته النفطية ومسح شخصية شعبه وتراثه المتجذر فانبرت الحاجة من جديد لإعادة استلهام الحكايات الشعبية للتنديد بهذا الاحتلال  المشين والوقوف بوجهه , وللأسف الشديد انقسم أدباء الطفل بعد الاحتلال إلى ثلاثة أقسام :

1- قسم رحب بالاحتلال واعتبره خلاصا وبدا يطبل له ويزمر من خلال نشر بعض القصص والحكايات الباهتة التي دلت على مجاملة وتملق للمحتل وإبعاد الأنظار عنه .

2- قسم صمت ولم يعبر عن راية وكأن الأمر لا يعنيه من قريب او بعيد, فهو ليس مؤيدا ولا معارضا ولم يكتب شيئا وانزوى خجلا أمام نفسه قبل الآخرين

3- قسم رفض الاحتلال بكل كبرياء وشرف وشموخ وهم قلة قليلة جدا , وكان لي الشرف الكبير أن أكون احد هؤلاء وكتبت مجموعة من القصص المناهضة للمحتل مثل : (الطفلة الشهيدة ), (الطفلة المجنونة), وقد جمعتها في مجموعة قصصية أسميتها : (العصافير تقاتل) وللأسف الشديد وأقولها بمرارة أن كل أجهزة الإعلام المملوكة للدولة والأحزاب والتيارات المستفيدة من الاحتلال والمطبلة له لم تنشر لي قصة واحدة للطفل تدين الاحتلال فاضطررت إلى نشر قصص للأطفال المفعمة بالروح  الوطنية في بعض الصحف الوطنية وهي قليلة جدا وكان على رأسها (الصحيفة المستقلة) و( ملحق يعرب) للأطفال الذي كنت رئيسا لتحريره , ولوطنية هذه الصحيفة  فقد أغلقت أكثر من مرة من قبل المحتل الأمريكي ودمرت مكاتبها وتعرض أفرادها للاعتقال والمطاردة والقتل ومن هؤلاء الأستاذ عبدا لستار الشعلان والدكتور الشهيد  المرحوم كمال الدين القاسم وكاتب هذه السطور.

إن أدباء الطفل في كل زمان ومكان تقع على عاتقهم مسؤولية استلهام التراث الشعبي المعزز لروح المواطنة والجهاد ضد المحتل الغاشم الطامع لقدرته على الاستلهام والابتكار وإعادة صياغة الخطابات الوطنية وتقديمها بشكل جذاب وسلس للطفل حتى يستلهمها ويتفاعل معها وبالتالي نتمكن من خلق جيل متمسك بوطنه ومعتز بتاريخه وتراثه الوطني وانتمائه إلى البلد الذي يعيش فيه , وهناك معلومة مهمة جدا وهي أن أية دولة طامعة وقبل أن تحتل ذلك البلد الذي تطمع فيه توجه كل أجهزتها الإعلامية ومؤسساتها الثقافية المشبوهة من فضائيات وكتب وصحف وبرامج الكترونية نحو أبناء ذلك البلد بوسائل خبيثة وشيطانية بغية تحطيم الروح المعنوية فيهم وقطع الانتماء وعدم الاعتزاز بتاريخه وتراثه ولغته وكل مقوماته التي تشد أبناءه بعضا إلى بعض وهذا ما فعله المحتل الأمريكي بالعراق بسنوات كثيرة قبل إقدامه على احتلاله بقوة السلاح وتدمير كل ما تبقى فيه من قيم وطنية ومفاهيم أخلاقية لهذا الشعب , حيث كثر الكذب والغش بدل الصدق والهجرة بدل الانتماء والتعلق بالأجنبي كأنموذج لغة وسلوكا وطريقة للعيش بدلا من الاعتزاز بلغتنا وتاريخها وموروثنا الإنساني الذي تعودنا عليه منذ ألاف السنين حتى أمسى المواطن للأسف الشديد لا ينتمي لهذا البلد بل ويلعن كل شيء فيه وعلنا وفي وضح النهار , حيث كثر التذمر لدى طبقة الشباب التي هي اقرب الطبقات إلى الطفولة والناشئة , وهذا نجاح يسجل للإعلام الاستعماري وللثقافة الأجنبية في مسح الهوية وقطع الانتماء وإزالة روح المواطنة .

     إن مسؤولية إعادة استلهام روح المواطنة من التراث الشعبي تشكل واجبا وطنيا وأخلاقيا على جميع المهتمين بأدب وثقافة الأطفال من خلال:

  1. نشر القصص والحكايات الشعبية التراثية ذات الروح الوطنية في المناهج المدرسية بأسلوب جميل وشيق ومبسط قريب من أذهان الطلبة .
  2. قيام الفضائيات بإعادة التركيز على هذا التراث الشعبي الوطني وإعادة طرحه بأساليب مختلفة منها :
  • إجراء حوارات مع المختصين في هذا المجال .
  • تقديم حلقات او مسلسلات او أفلام تستلهم البطولات الوطنية والتركيز على فعلها وفائدتها للمجتمع حاضرا ومستقبلا .
  • طبع الكتب والروايات الموجهة للأطفال والتي تتناوب شخوص وأحداث التراث الشعبي واستلهام قيمة الوطنية والإنسانية.
  • ابتكار لعب الكترونية تتخذ من أبطال الحكايات الوطنية أبطالا يدافعون عن وطنهم وقيمهم .
  • إجراء  مسابقات سنوية للكتابة في مجال التراث الشعبي الوطني : (قصة, رواية, قصيدة,سيناريو,أغنية, قطعة موسيقية , مسلسل, فلم…الخ) وطبع هذه النتاجات في كتاب لتكون في متناول الأدباء والكتاب والمختصين والتربويين .
  • إقامة مهرجانات مسرحية تدعو الى حب الوطن والتضحية من اجله وتعزيز روح المواطنة والانتماء من خلال نصوص تُكتب لهذا الغرض .

إن استلهام التراث والاستفادة منه في تنمية الروح الوطنية وتعزيز روح المواطنة ليست تخلفا او عودة إلى الوراء كما يحلو للبعض أن يقول ذلك تحت كثير من الحجج والتصورات غير المعقولة منطلقين من مفهوم التطور التقني وعصر الانترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي وما شابه ذلك .

إن التمسك بالتراث لا سيما الوطني منه هو تعزيز للهوية وتفعيل لروح الانتماء المواطنة , فاليابان وهي من أكثر بلدان العالم تطورا على الرغم من تطورها اللامحدود فإنها متمسكة بتراثها وحكاياتها وتقاليدها المجتمعية وأزيائها ولغتها مع سعة  وغزارة نتاجها العلمي والثقافي والتقني, وكذلك الحال بالنسبة للصين وكوريا وماليزيا وكوريا الجنوبية والسبب الحقيقي في تمسكهم هذا أنهم عرفوا قيمة التراث الشعبي وأهميته في بناء الإنسان , فحصنوا شعوبهم من الحملات المعادية التي تستهدفه تمكنوا من جعل أبناء تلك الشعوب مواطنين لا احد يستطيع ان يزايد على وطنيتهم على الرغم من أن أكثر موروثاتهم الشعبية لا ترتقي أبدا إلى الكم الهائل من الموروث الشعبي الوطني في العراق من خلال الرسالة التي أؤمن بها واعمل على تحقيقها ونشرها  بين الأطفال وهي استلهام التراث الشعبي في العراق وإعادة صياغته لتعزيز روح المواطنة في الأطفال والفتيان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *