الملخّص
النص التلمودي في إصحاح التثنية يوضح بالدقة ماعمل عليه اليهود ولا زالوا يعملون عليه وفي هذا المقال سنتعرف على :
النص ، اثر النص في الواقع المعاصر ،دور السلطة في صناعة الفكر الديني ،العداء اليهودي ديني ام عالمي ، التخطيط اليهودي عبر التاريخ ،مسؤولية الشعوب الحرة .
قوانين الحرب
ورد في سفر التثنية (20:10-14) حيث يضع الله لشعب إسرائيل قوانين الحرب، لا سيما فيما يتعلق بكيفية التعامل مع المدن التي يحاربونها.
يقول النص:
“حين تقترب من مدينة لكي تحاربها، استدعها إلى الصلح. فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك، فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويُستعبد لك. وإن لم تسالمك، بل عملت معك حربًا فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك، فاضرب جميع ذكورها بحد السيف. وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة، كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك” (التثنية 20:10-14).
تشير هذه التعليمات إلى الحروب التي خاضها بنو إسرائيل ضد المدن البعيدة عن أرض كنعان. أما المدن الواقعة ضمن “أرض الموعد”، فقد كان التعامل معها أكثر صرامة، كما هو موضح في بقية الإصحاح.
أثر النص في الواقع المعاصر
ما زالت هذه المفاهيم مؤثرة حتى اليوم، حيث قامت بعض المعاهدات على أساسها، مما أدى إلى وضع كل من قبل بها في حالة تبعية، بينما اعتُبر من رفضها عدوًا يجب محاربته، سواء عسكريًا أو اقتصاديًا. وعند دراسة الأحداث بعمق، نجد أن الأمة الوحيدة التي لم تخضع لهذه القاعدة هي التي تتبع الإمام عليًّا (عليه السلام)، سواء بعلمائها أو بمؤمنيها، إذ لم تفتح مجالًا للحوار حول التطبيع، فضلًا عن إقامة أي قنوات اتصال مع الكيان الصهيوني.
وهذا يوضح الفارق بين بعض الحكومات العربية وشعوبها، حيث قبلت بعض الأنظمة بمبدأ نسبوه زورًا إلى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، واستندوا في ذلك إلى أحاديث وردت في البخاري ومسلم، ومنها الحديث الذي يرويه حذيفة بن اليمان:
“قلت: يا رسول الله، إنا كنا بشرًا فجاء الله بخير فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير شر؟ قال: نعم. قلت: فهل وراء ذلك الشر خير؟ قال: نعم. قلت: فهل وراء ذلك الخير شر؟ قال: نعم. قلت: كيف؟ قال: يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع”.
دور السلطة في صناعة الفكر الديني
إن مثل هذه الأحاديث وغيرها وُضعت لتبرير تصرفات وأوامر الحكام المسلمين، الذين استخدموا العلماء والكتّاب لخدمة أهدافهم. وقد اعتمدوا على رواة مثل عبد الله بن سلام وكعب الأحبار، الذين نقلوا أفكارًا من التوراة وأدخلوها في الفكر الإسلامي، بما في ذلك التشبيه والتجسيم ونزول الرب، وهي أمور لم ينزل الله بها سلطانًا.
يختلف مفهوم السلطة في المذاهب الإسلامية؛ فالمذاهب غير الشيعية الإثني عشرية تقوم على طاعة الحاكم، فإن صالح جهةً ما، تبعه أتباعه، وإن عاداها، عادوها. أما في المذهب الشيعي الإثني عشري، فمرجعية الفقيه مستقلة عن الحاكم، ولا يتم تعيينها من قبله. وهذا يفسر سبب فشل المخططات الصهيونية في اختراق هذا التيار أو السيطرة عليه، سواء اقتصاديًا أو سياسيًا أو حتى عسكريًا.
العداء اليهودي: ديني أم عالمي؟
من الضروري إدراك أن العداء اليهودي لم يكن موجهًا ضد الإسلام فقط، لكنه كان أشد تجاه الإسلام، لأن القرآن الكريم فضح مؤامراتهم وأساليبهم الملتوية وعداءهم للأنبياء والرسل. ولهذا، توجهوا بحربهم ضد الإسلام بشكل أعمق، رغم أن عداءهم الأساسي كان للبشرية جمعاء، حتى قبل ظهور الإسلام.
وهذا ما تؤكده نصوص التوراة، ومنها الإصحاح العشرون من سفر التثنية. وإذا لم نفهم طبيعة تفكيرهم والمسار الذي يسلكونه، نكون قد حكمنا على أنفسنا بالجهل والخضوع.
وقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) في الحديث:
“أول ما خلق الله العقل، قال له: أقبل، فأقبل. ثم قال له: أدبر، فأدبر. ثم قال: وعزتي وجلالي، ما خلقت خلقًا أكرم عليّ منك، بك آخذ، وبك أعطي، وبك أثيب، وبك أعاقب”.
لذلك، يجب على كل صاحب عقل أن يستخدم المنطق، فهو أداة قانونية تحمي الفكر من الوقوع في الخطأ، تمامًا كما تحمي اللغة اللسان من الخطأ.
التخطيط اليهودي عبر التاريخ
إن المشروع اليهودي للسيطرة على الأمم ليس وليد وعد بلفور (1917) أو اتفاقية سايكس بيكو (1916)، ولا حتى ما تلاهما من اتفاقيات مثل كامب ديفيد (1978) والتطبيع التدريجي، بل هو مخطط متجذر منذ أن خالف اليهود شريعة موسى (عليه السلام).
ورغم ذلك، ظهر تيار يهودي حديث يُدعى ناطوري كارتا، تأسس عام 1936. يركز أتباع هذا المذهب على الأدب الحاخامي، الذي ينص على أن اليهود طُردوا من “أرض إسرائيل” بسبب خطاياهم، وأن أي محاولة لاستعادتها بالقوة مخالفة للإرادة الإلهية، بناءً على التلمود البابلي.
ومع ذلك، فإن رفضهم لقيام “إسرائيل” لا يعني تخليهم عن إيمانهم بأنهم “شعب الله المختار”، بل ربما كان دافعهم لذلك هو قلة عددهم وعدم ثقتهم بإمكانياتهم.
مسؤولية الشعوب الحرة
إن على الشعوب الحرة التي تعي وتفهم حقيقة ما جاء في الإصحاح العشرين من سفر التثنية أن تكون حذرة، وأن تدرك مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقها تجاه الدين والوطن، حتى لا تقع في فخ الاستعباد السياسي والاقتصادي الذي يخطط له أعداؤها منذ قرون.