يتجلى المشهد السياسي في المنطقة اليوم عبر شبكة من العلاقات بين السعودية والإمارات من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى، حيث تبدو هذه التحالفات وكأنها ترسم ملامح جديدة لشرق أوسط مختلف. ابتداءً من “صفقة القرن” وصولاً إلى ما بات يُطلق عليه “صفقة التهجير”، تظهر هذه المخططات وكأنها تسعى لإعادة تشكيل الخريطة الديموغرافية للمنطقة بمعزل عن حقوق شعوبها التاريخية، لتصب في نهاية المطاف لصالح أجندات قوى أكبر ذات طموحات توسعية. يبدو التعاون بين بعض القوى العربية وخصوم الأمة التقليديين بمثابة تجاهل لمصالح الأمة، بل وخيانة حقيقية تنعكس في تناقضات صارخة بين الشعارات المعلنة والنوايا المُبطنة التي لا تخلو من الحسابات الضيقة والرؤى قصيرة الأفق وفيما يتعلق بالدعم الاقتصادي والاستثماري، يتضح أن السعودية والإمارات تنغمس في استثمارات ضخمة تستهدف الولايات المتحدة وحلفاءها، في الوقت الذي يعاني فيه المواطن العادي في تلك الدول ظروفًا معيشية صعبة. المملكة، على سبيل المثال، تُنفق مئات المليارات على استثمارات خارجية بينما يعاني الكثير من مواطنيها في الحصول على مسكن خاص او حياة كريمة، وهو مؤشر مؤسف على الأولويات الحاكمة التي تغلّب المصالح الخارجية على احتياجات الداخل. على صعيد آخر، يطفو على السطح دور السعودية والإمارات والبحرين في ملف تهجير الفلسطينيين، لا سيما سكان غزة. هذا الدور يتخذ صفة محورية في إطار محاولات إعادة توزيع السكان الفلسطينيين وتغيير المشهد السكاني لقطاع غزة
صفقة التهجير” قد تبدو للكثير محض إشاعة أو مبالغة، ولكن تداعياتها تشير إلى إعادة توازن قوى مُخطط لها بدقة. في فترة حكم ترامب، ظهرت استراتيجيات خارج السياق العسكري التقليدي، يحاول من خلالها أطراف عدة إعادة تشكيل الواقع السياسي لصالحهم، بغض النظر عن التبعات الإنسانية او المصلحة الوطنية للأمة.
ان الخطط تدور حول مشاريع مُغلّفة بذرائع إعادة الإعمار والتنمية، بينما يختبئ خلفها ترتيبات تهدف إلى نقل الفلسطينيين إلى دول مجاورة كالأردن ومصر، في خطوة منهجية لضمان السيطرة الكاملة لإسرائيل على القطاع وتحقيق حلمها في إقامة دولة إسرائيل الكبرى، رغم ذلك فإن السعودية والإمارات لم تكتفِ بتقديم الدعم المالي فقط، بل أصبحتا شريكًا فاعلاً في مخططات سياسية تستهدف تفكيك النسيج الفلسطيني وفرض واقع جديد يخدم الأطماع الإسرائيلية. وكل ذلك يجري في ظل تعتيم إعلامي ومحاولة منع الشعوب العربية من إدراك حجم هذه التحركات وتأثيراتها المستقبلية الكارثية ليس على القضية الفلسطينية فحسب بل على الأمة العربية ارضاً وإنساناً وكذلك على طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي، ومن الملاحظ أيضًا ان التحالف بين السعودية والولايات المتحدة، بعيدًا عن كونه مجرد اتفاق سياسي أو اقتصادي، بل يتجلى كتحالف يخدم مصالح ضيقة وأيديولوجيات متطرفة، دون احترام للحدود الدنيا للمصالح الوطنية او للقيم الإنسانية. والصفقات العسكرية التي تُبرم بمئات المليارات من الدولارات تأتي على حساب حياة الأبرياء في اليمن وفلسطين، مما يزيد مأساة الأوضاع الإنسانية وسط فساد وتجبر النخب الحاكمة في تلك الدول المطبعة
إننا نشهد اليوم واقعًا مأساويًا حيث يدفع الأبرياء ثمن هذه التحالفات الظالمة، فيما يتوارى زعماء العالم عن محاسبة أنفسهم على ما اقترفوه من ظلم ضد شعوب بكاملها. ففي كل قنبلة تُلقى على رؤوس الأبرياء، وفي كل طلقة رصاصة تستهدف الأطفال والنساء، تتجلى ملامح هذا التحالف الشيطاني وتتضح نواياه الخبيثة.