موضوع تأمين الكهرباء الصناعية والمنزلية في العراق، يعتبر أحد التحديات المستمرة في هذا البلد على مدى العقدين الماضيين. واحدة من المشكلات الجادة في إنتاج الكهرباء في العراق هي نقص الوقود لمحطات توليد الطاقة، وهو الغاز. فإن 60% من المحطات التي تنتج الكهرباء للعراق تعمل بالغاز.
على الرغم من أن العراق، بوجود 141 تريليون متر مكعب من الاحتياطيات الغازية، يُعتبر الحادي عشر عالمياً من حيث هذا الجانب، إلا أن هناك مشاكل متعددة في استغلال هذه الاحتياطيات تمنع العراق من تحقيق الاكتفاء الذاتي وحل مشكلة الكهرباء. فإني في مقال آخر، سأتناول موضوع مصادر الغاز في العراق والمشكلات المتعلقة بالاستخراج والاستغلال، لكن في هذا المقال، ستقرأ عن اتفاقية استيراد الغاز من تركمانستان إلى العراق ودور إيران في هذه الإتفاقية. قدرة إنتاج الكهرباء في العراق حالياً حوالي 27 ألف ميغاوات، والتي تُنتَج عادة بمساعدة المحطات التي تعمل بالغاز، لكن الحاجة الفعلية للبلد تقترب من 40 ألف ميغاوات. الغاز الذي تصدره إيران إلى العراق هو فقط مصدر 8 آلاف ميغاوات. ومع ذلك، فإن إيران بنفس الكمية تعتبر مورد 30 إلى 40% من الطاقة اللازمة للعراق. آخر عقد لتصدير الغاز الإيراني إلى العراق يعود إلى مارس 2024، حيث يُباع 50 مليون متر مكعب من الغاز يومياً إلى العراق.
هذا الموضوع حول العراق إلى دولة تعتمد على إيران من حيث الطاقة (الغاز والكهرباء). على الرغم من أن إيران هي مورد رئيسي غازي للعراق، إلا أن الاستهلاك المرتفع جداً للغاز في مختلف القطاعات، بما في ذلك المنازل، خلال شهور الشتاء يؤدي إلى نقص الغاز داخل إيران. إن الانقطاع المؤقت لصادرات الغاز إلى العراق، خاصة في فصل الشتاء، ليس موضوعًا جديدًا، ويعتبر أحد أسباب انقطاعات الغاز في العراق – إلى جانب القضايا المالية والديون لإيران – وبالتالي يؤثر على إنتاج الكهرباء.
هذا الاعتماد الملحوظ للعراق على الغاز الإيراني أدى إلى ضغوطات من الولايات المتحدة على حكومة بغداد للبحث عن بدائل للطاقة الإيرانية. واشنطن، إذ تدرك ظهور أزمة خطيرة في العراق بسبب الانقطاع المفاجئ لواردات الغاز الضخمة من إيران وتأثير ذلك على العلاقات بين بغداد وواشنطن، استثنت العراق مؤقتًا من العقوبات الناتجة عن التفاعلات الاقتصادية مع إيران. ومع ذلك، لا تزال الضغوط الأمريكية على العراق للعثور على بديل للغاز الإيراني قائمة. في العراق، هناك حتى قلق جدي من أنه مع بدء ولاية ترامب، قد لا يتم تمديد استثناء العراق من التعامل الاقتصادي مع إيران في شراء الطاقة.
على أي حال، بدأ العراق في السنوات الأخيرة بالبحث عن بدائل. واحدة من هذه البدائل، حسب قول زعيم أحد الأحزاب العراقية، كانت شراء الغاز من تركمانستان، وهو عرض قدمته الولايات المتحدة. في أغسطس 2023، وقّع العراقيون اتفاقية أولية لشراء الغاز من عشق آباد. كانت بغداد تأمل أن يتم توقيع العقد النهائي بحلول نهاية 2023 لمدة خمس سنوات. ومع ذلك، تم توقيع هذا العقد في أوائل خريف هذا العام بين الطرفين العراقي والتركمستاني. شركة لوكستون للطاقة السويسرية، بموجب قرار مجلس الوزراء العراقي، أصبحت المقاول لهذا النقل، وقد تقرر أن يُنقل الغاز التركماني عبر الطريق الوحيد المتاح، وهو خطوط نقل الغاز الإيرانية إلى العراق. ضمن هذا الإطار، سيتم تصدير 20 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا من تركمانستان (في الشتاء 10 مليون متر مكعب).
في إطار المقايضة بين إيران والعراق، يجب تخصيص جزء من الغاز المستورد للمناطق الشمالية من إيران، بينما يتم نقل الجزء المتبقي الذي هو الغاز المحلي والمنتج في إيران إلى العراق. يتم دفع تكلفة الغاز المصدّر من تركمانستان إلى إيران والعراق من قبل بغداد إلى عشق آباد، كما أن إيران تحصل على 30% من هذا الغاز كحق عبور. على الرغم من مرور حوالي 5 أشهر من توقيع العقد النهائي، إلا أن صادرات الغاز التركماني لم تبدأ بعد، ويفُتَرض أن العراق لم يدفع حتى الآن أي مبلغ للتركمان (مليار دولار سنويًا). تطالب العراق بأنها لم تحدد بعد المقاول والطرف الثالث. سيكون هذا المقاول ضامنًا للعقد، وفي حالة إلغاء العقد أو انقطاع الغاز، سيكون هو المسؤول عن دفع التعويضات أو توفير مصادر بديلة للغاز.
مع تأخير في صادرات الغاز من تركمانستان، زادت الأحاديث والجدل داخل العراق وخارجه. ادّعت آر تي الروسية أن العراق ربما وقع ضحية لخداع ونقص في الضمانات اللازمة في هذا العقد مع التركمان والإيرانيين. كما زعم بعض المحللين الاقتصاديين العراقيين أن إيران استلمت الغاز المصدر من تركمانستان لكنها تستخدمه للاحتياجات المحلية. على الرغم من أن وزارة الكهرباء العراقية نفَت هذا الموضوع وذكرت أيضًا دفع الأموال إلى عشق آباد، معتبرةً أن المشكلة تتعلق بالبحث عن شركة وسيطة ومقاول. يجب الانتظار لرؤية إلى أين ستذهب مصير العقد المذكور.
لد أبرمت العراق العديد من العقود لزيادة إنتاج الغاز المحلي مع شركات أجنبية، بما في ذلك الشركات الفرنسية والصينية والإماراتية. على الرغم من أن بعض هذه العقود لم تُنفّذ بسبب ظهور داعش في العراق. لكن العراقيين، من أجل الاكتفاء الذاتي وأيضًا بسبب الضغوط الخارجية، يفكرون في تأمين عقود أخرى. ومع ذلك، لا يزال إنشاء بديل للغاز الإيراني، لأسباب مختلفة، خيارًا غير سهل ومتاح لبغداد.