Search
Close this search box.

لم تكن أقوالهم مقنعة حتى قبل سقوط الأقنعة

لم تكن أقوالهم مقنعة حتى قبل سقوط الأقنعة
لم تكن أقوالهم مقنعة حتى قبل سقوط الأقنعة، لأن من يُخادع لا يستطيع إخفاء وجهه الحقيقي طويلًا، وإن حاول....

منذ سنوات، امتلأت الساحة بشعارات رنانة رفعتها جهات تدعي رفض التدخلات الأجنبية، التمسك بالسيادة والاستقلال، ورفض كل من جاء على ظهر الدبابة الأمريكية. كانت تلك الجهات الأكثر صخبًا في اتهام الآخرين بالعمالة، ووصمهم بالذيول، والتغني بخطابات التوعية الزائفة. لكن الواقع اليوم كشف زيف هذه الادعاءات، وأظهر أن من يرفع تلك الشعارات ليس سوى باحث عن السلطة بأي وسيلة، حتى لو كان الثمن خداع الجماهير وشيطنة كل من يقاوم الهيمنة الخارجية.

في مقدمة الانتقادات التي تطلقها هذه الجهات، تأتي إيران كهدف دائم للهجوم واللوم، خصوصًا بعد رفضها التفاوض مع الولايات المتحدة تحت التهديدات والضغوط. أصبح واضحًا أن هذه الجهات التي تدين إيران اليوم ليست إلا امتدادًا لمشروع الهيمنة الذي تدعي مقاومته. فكيف لمن يرفض التدخلات الأجنبية، كما يدعون، أن يطالب إيران بالرضوخ لمطالب أمريكية تُفرض بالإكراه؟

لقد صدّعوا رؤوس الناس بمفاهيم السيادة، لكنهم كانوا أول من أدار ظهره لها عندما اقتضت مصالحهم ذلك. وان العقلاء، الذين لم تنطلِ عليهم هذه المسرحية منذ بدايتها، أدركوا أن ما يجري هو مجرد صراع على النفوذ والسلطة، وليس دفاعًا عن مبادئ أو سيادة. فالمقاومة الحقيقية للهيمنة لا تُهاجم لأنها رفضت التفاوض بشروط مذلة، بل يُفترض دعمها لأنها رفضت الانحناء أمام القوى الكبرى.

وتبيّن اليوم أن هذه الأبواق، التي تدّعي العفة السياسية، على استعداد كامل لأن تكون تحت حذاء الأمريكي، تابعة له وخادمة لمصالحه، حتى لو كان الثمن بيع المنطقة بأكملها، وطرد كل من يقاوم هيمنته. ورغم ذلك، لا تتوقف هذه الجهات عن اتهام الآخرين بنفس الرذائل التي تمارسها، فيما يستمر المغفلون بتصديق أكاذيبهم.

لكن هؤلاء الذين يرفعون شعار الاستقلال ما زالوا يسعون لتشويه كل من يتخذ موقفًا مبدئيًا ضد الهيمنة، فقط لأن مواقفه تتعارض مع مصالحهم. لم يكن سقوط الأقنعة مفاجئًا لمن يقرأ المشهد بعمق، فالخداع كان واضحًا منذ البداية، ولا يحتاج إلى ضغوط أو تغيرات سياسية لكشفه. من أراد السلطة بالخداع لا يمكن أن يصبح يومًا مدافعًا عن السيادة، ومن وصف الآخرين بالذيول لم يكن يومًا حرًا في قراراته.

الفطِن، منذ اللحظة الأولى، كان يدرك أن هذه الأصوات ليست إلا أدوات في يد من يدّعون رفضهم، وأنهم لا يمثلون سوى الطامحين إلى الكراسي. لم تكن أقوالهم مقنعة حتى قبل سقوط الأقنعة، لأن من يُخادع لا يستطيع إخفاء وجهه الحقيقي طويلًا، وإن حاول.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *