Search
Close this search box.

القصة العراقية في فترة الخمسينيات

القصة العراقية في فترة الخمسينيات
استطاع رواة القصص في الخمسينيات أن يتكيفوا مع قوة السرد القصصي من حيث الفهم والكتابة مع الاحتياجات التقنية...

شهدت السنوات الأولى من عقد الاربعينيات الخروج من عنق الزجاجة الواضح في  الرواية العراقية، إلا أن الاربعينيات، وخاصة النصف الثاني من العقد، كانت لها بداية نابضة بالحياة، مما يدل على أنه تم السعي إلى تحقيق وعي وفهم جديدين في فن الكتابة الروائية، وهذا فهم كان له تأثيره الحقيقي على رواة القصص الجدد واستطاعوا أن يصنعوا اسمهم ككتاب في الاربعينيات، وبعضهم كان له أهم الأعمال في الرواية العراقية.

ظهرت إنجازات هذه التقنية الجديدة بقصة قصيرة ومجموعات قصصية وقصص طويلة بشكل خاص منذ نهاية الاربعينيات واستمرت حتى نهاية الخمسينيات، ومن أهم كتاب هذه الفترة هم: (عبد الملك نوري، شاكر خصباك، فؤاد التكرلي، نزار سليم، عبد الحق فاضل). عمل هؤلاء الرواة بجهد ووعي كبيرين لإخراج القصة العراقية من شكلها المقلد وحققوا نجاحات كثيرة في هذا المجال . ولعل سر نجاح هذه الفئة من الكتاب العظماء هو أنهم لم يسعوا فقط إلى تقليد ومتابعة تراث العراق الخيالي، بل تعلموا الكثير منه بمعرفة كبيرة ولم ينكروا الإنجازات الهامة التي حققتها الفترة الماضية وجهودهم من أجل التقدم، واستغلوا الفرص التي وفرتها بيئة ما بعد الحرب العالمية الثانية. يقول الدكتور محسن الموسوي: “الآثار السياسية والاقتصادية للحرب العالمية الثانية أضافت إنجازات ثقافية، ومن ناحية أخرى عمقت الوعي الأدبي وخلقت نزعات محافظة في كتابة وتنمية الأذواق الأدبية، بحيث بدأت التجمعات الأدبية الجديدة تنمو في أركان التجمعات الأدبية وبين الأشخاص المؤثرين”.   “تمكنت كتابات الثلاثينيات من إضفاء الطابع المؤسسي على الأساليب السردية في الأدب العراقي لدرجة أنها اقتربت تقنيا من الرواية العربية المعاصرة”.

وهكذا أسس مؤلفو هذه الأعمال أهم الأساليب وأكثرها حساسية وصحة للقصة العراقية. وهذا يمكن أن يفسر نجاح بعض القصص القصيرة أو الطويلة وكذلك مجموعات القصص في مجال النقد والقراءة، وهو نجاح سيبدو أنه يدوم ولن يفقد أهميته ومكانته بين ما كتب في الماضي وما يكتب في الحاضر والمستقبل، ولكن اسمي الكاتبين (عبد الملك نوري وفؤاد التكرلي) سيكونان دائما من بين هؤلاء الكتاب في مجال الحركة التقنية الحديثة. في تاريخ العراق الادبي. شارك هذان الكاتبان بشكل أساسي في استخدام وأساليب جديدة في سرد القصص لعبت دورا على المستوى العالمي ، وكان هدفهما إضفاء الطابع المؤسسي على طريقة جديدة للرواية العراقية. بالطبع لا ينبغي نسيان الجهود القليلة التي بذلت في هذا المجال، على الرغم من أنها لم تحقق نجاحا يذكر من الناحية الفنية، ولكن على أي حال كانت جهودا اكتسبت أهميتها التاريخية أولا، وثانيا استطاعت أن تضع سبيلا للأجيال القادمة حتى تتدفق القصة في الاتجاه الفني الصحيح. وهكذا كان دور كتاب الثلاثينيات مهما جدا من خلال استخدام أساليب جديدة تعلموها وأدركوا بوعي أهميتها، لأنهم استطاعوا من خلال هذه الأدوات تحرير القصة من الضعف والوهن الذي وجد طريقه إليه سابقا. على الرغم من أن كتاب الثلاثينيات لم ينكروا أبدا أن للخيال رسالة اجتماعية أو سياسية، ولكن شيئا فشيئا، من خلال الاستفادة من تجربة أدب الخيال العالمي والثقافة الإنسانية بشكل عام، أدركوا الأبعاد الفنية للتفسير في الكتابة الخيالية، واستخدم رواة القصص في تلك الفترة، بوعي كبير وتقدم كبير، تجاربهم التقنية الحديثة لفهم التجارب الاجتماعية، والمشاكل العامة، والدفاع عن قيم القصص ويمكن القول إن رواة القصص العراقيين استطاعوا تحقيق قدر كبير من النجاح في الموازنة بين الحاجة إلى التغيير الاجتماعي والنضج اللازم في القصة وأدواتها، واستفادوا من تجارب الرواة العراقيين العظماء”.

استطاع رواة القصص في الخمسينيات أن يتكيفوا مع قوة السرد القصصي من حيث الفهم والكتابة مع الاحتياجات التقنية، وهو ما لم يسبق له مثيل في قصص العقد العشرين طبعا يمكن إعفاء تجربة (عبد الحق فاضل)، وهي تجربة لم تتكرر من قبل رواة القصص الآخرين ولم يتم تعزيزها. في الحقيقة فإن طريقة القصة الجديدة، التي تجلت في قصص الخمسينيات، قدمت بعض الأمثلة يمكن رؤية هذا المثال في المجموعة القصصية لعبد الملك نوري المسماة (نشيد الارض 1954) والمجموعة القصصية لفؤاد التكرلي تحت عنوان (الوجه الآخر 1960) ومجموعة (فيض 1952 ، نزار سليم) و (مولود اخر 1959 ، غايب طعمة فرمان) و (حياة قاسية 1959 ، شاكر خصباك) و (غضب المدينة 1960 ، مهدي عيسى الصقر) وبعض القصص (سافرة جميل حافظ، محمود الزاهر، محمود روزنامجي، إلخ). إن شجاعة هؤلاء الكتاب الشباب في الخوض في أعماق الابتكارات التقنية واستخدام كل الأساليب والتقنيات والمفردات البنيوية التي كانت القصة العراقية غريبة بها انذاك، فضلا عن نجاحهم في تقديم مثل هذه الأمثلة ­التي كانت ذات قيمة كبيرة من الناحية الفنية وتصل إلى مستوى قبول القراء، جعلت كتاب الخمسينيات يتمتعون بأهم تجربة للابتكار الحقيقي في الكتابة القصصية في العراق في فترة الخمسينيات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *