في كوكب العراق حيث ولدت أحيا حياة تختلف عن حياة باقي البشر ،فكل شيء مختلف في هذا الكوكب ،فحياتي ،وموتي تختلف عن باقي بني البشر ،فحين أولد أدفع أموالا لبيان الولادة ،وحينما أموت يدفعون نيابة عني لاستخراج شهادة وفاة .
بلد صار فيه كل شيء يباع ويشترى حتى العلاقات ولله في خلقه شؤون .
جرب أن تسافر خارج العراق سواء كانت وسيلة تنقلك سيارة ،أو طيارة عندما تعبر الحدود ،أو تهبط في مطار آخر ستشعر بأن الهواء الذي تتنفسه قد تغير ،وتشعر بأنك تتنفس هواء نقي مشبع بالأوكسجين بدل ثاني أوكسيد الكربون ،وثاني أوكسيد الرصاص، والكبريت الذي لوث الهواء في العراق ،وجعل غيوم التلوث واضحة للعيان ،وتلك الروائح التي أختلطت بغبار، ودخان تلك الغازات الخانقة التي تلتصق بوجهك ،وملابسك ،وأنت تخرج المنزل في إزدحامات لا أول لها ،ولا آخر في شوارع ملئت بأبواق المنبهات للسيارات ،والتكاتك ،والدرجات النارية حتى باتت مدن العراق تسابق دلهي، ودكا في التلوث،و الضوضاء ،والأزدحامات الخانقة .
حينما تعبر الحدود يعود ضغطك طبيعي كما كان لشعورك بالطمأنية ،والارتياح ويعود قلبك ينبض ،ويودع حالة الخوف ،والقلق التي تعيشها ،وأنت تقود سيارتك بين الكم الهائل من السيارات ،والتكاتك، والدرجات النارية .
حينما تعبر الحدود تشعر بإنسانيتك ،وتشعر بكيانك ،فهنا كل حر في ما يعمل، ولن تجد خبراءالسياسة ،والاقتصاد ،والرياضة ،والفن ،والفقه الذين يعتقدون أنهم ناجحون في تحليل كل شيء في العراق ،ولن تسمع تلك الأصوات المزعجة التي تجبر على سماعها، وأنت تجلس في مكان عام ،وربما يصل نقاش بسيط إلى معارك تستعمل فيه الكلمات الجارحة، وربما الأيدي ،ويتطور الأمر إلى نزاع عشائري ،وأصوات الباعة المتجولين الذين يزعجك صوتهم من الصباح الباكر إلى ما بعد منتصف الليل ،وهم ينادون على بضاعتهم بمكبرات الصوت ،وأكثرهم إزعاجا لي ذلك البائع الذي يقود سيارة بيكپ ،وهو يبع منتجات الفضيلية ،وهو يردد : (گيمر عرب جبن عرب لبن روبة روبة)،وذات مرة وقف أمام داري ،واضطرني للخروج له ،وقلت له :- يا أخي هل هناك مجنون يشتري منك بعد الساعة الواحدة والنصف ليلا ؟!
فأجابني بكل برود : حجي أنت تنام من وگت ،فأعتقدت أنها الساعة الواحدة والنصف ظهرا لا ليلا !!!
أتذكر ذات مرة كنت مسافرا لتركيا ،وعلمت أنك كمواطن من حقك أن تشتكي على أي شخص يزعجك إذا أصدر صوتا بعد الساعة الثانية عشرة ليلا ،وسوف تقوم السلطات باعتقال تودعه السجن حتى يتعلم حقوق الآخرين وعدم التمادي عليها .
حينما تعبر الحدود تعيش الساعات ،وأنت سعيد مابين خضار يريح العيون ،وزقزقة العصافير ،والهواء المنعش في شوارع نظيفة ،وساحات جميلة ،ومتنزهات تجلس فيها لتتأمل الحياة .
في العراق السير في الشوارع هو مشروع انتحار، فأنت تضطر للسير في نهر الشارع لأن الرصيف ،وجزء من الشارع احتل من أصحاب الدكاكين ،وأصحاب البسطيات ،وأنت تمشي تتلفت يمينا ،وشمالا خوفا من تكتك، أو دراجة نارية تسير عكس السير ،وهدير المولدات يصيبك بالصداع ،ودخانها يزكم الأنوف .
خلال الأثني عشر عاما التي مرت بعد الاحتلال أختفت جميع المساحات ،والساحات الفارغة التي كانت بين الأحياء ،وعمت فوضى البناء ،والاستيلاء على هذه الأراضي ،والمساحات الفارغة من قبل الناس الذين بنوا فيها العشوائيات ،ومن قبل الدولة التي لم تترك مكانا فارغا الا منحته للإستثمار .
إن موضوع الاستثمارات ،وبناء الشقق ،والأبراج لم يأت من فراغ ،فبهذه الاستثمارات قسم الشعب إلى أغنياء يسكنون خلف جدران عالية تحرسها بوابات أمنية توفرت بها كل سبل الراحة من شوارع واسعة، وكهرباء مستمرة إلى ماء ،وغاز ،وسيارات للنظافة ،ومدارس ،وهدوء تام لا يعكر صفوه شيء ،وفقراء يسكنون البيوت المتهالكة، والعشوائيات ،وكثيرا ما تذكرني المجمعات السكنية بالهند التي زرتها مرات عديدة ،وكل مجمع يسمى (سكتر ) أي مربع ،وله رقم معين حيث يعيش الأغنياء ،فالمجمعات التي منحت أرضها الدولة للمستثمرين كان القصد منها حل مشكلة السكن ،وتحولت إلى طريقة لغسيل الأموال ،وسكن السراق واللصوص ،وبعض العواهر ،وأصحاب المستوى الهابط ،وأصحاب المليارات من رجال السياسة ،أو التجار المشكوك في مصدر أموالهم ،وكبار رجال الدولة ،فهل استطاع مواطن، أو موظف من إمتلاك أي شقة، أو دار في أي مجمع من تلك المجمعات .
نوهت كثيرا عن موضوع الاستثمار في مقالاتي السابقة ،ولا أريد أن أكرر أن موضوع الاستثمار في كل العراق يشوبه فساد كبير .
هيأة الاستثمار تمنح الأراضي لإقامة المجمعات بسعر رمزي قد يصل في أغلى الحالات إلى مليون لكل متر ،فأراضي بوابة بغداد بيع المتر الواحد بمبلغ مليون تصور عندما يكون هناك عشر طوابق هذا يعني أن سعر المتر الواحد أصبح مجانا استبدل بالسطح الكونكريتي الذي لا يتجاوز سعر المتر الواحد منه المائة ألف وعندما تبني شقق مهما كانت مساحتها فقيمة
المتر الواحد عالميا لا يتجاوز ال٦٠٠ ألف دينار للمتر الواحد بجودة ممتازة أضف إليها مائة ألف سعر الأرض هذا يعني أن شقة مساحتها يجب أن تباع بمبلغ ٧٠ مليون نقدا و٨٠ مليون بالآجل مع الفوائد وسعر شقة ٢٠٠ متر ١٤٠ نقدا و١٦٠ بالآجل وسوف تربح الشركة أو الجهة المستثمرة مبلغ لا يقل عن ٢٠ مليون في كل شقة سعة ١٠٠ متر بالنقد وقس على ذلك .
وكلكم تعرفون سعر الشقة في بوابة بغداد في تجاوز ال٦٠٠ ألف دولار وهلم جرا باقي المجمعات السكنية وهذا يعني أن هناك تواطئ ما بين هيأة الاستثمار التي تريد أن تجد حلا لموضوع السكن والجهة المستثمرة .
والحل بسيط جدا يكون أولا بتحديد سعر المتر الواحد مسبقا على أن لا يتعدى ال٦٠٠ ألف دينار وإحالة تلك الاستثمارات إلى شركات وزراة الإسكان والتعمير أو إحالتها لشركات محلية رصينة أو لشركات القطاع المختلط وتشكيل لجان نزيهة من مهندسين استشاريين ومهندسين مقيمين لمتابعة البناء ومحاربة الفساد بتبديل المهندسين المقيمين كل ستة أشهر أو إحالة تلك المشاريع وتنفيذها من قبل القوات الأمنية أو الدعوة إلى العمل الشعبي وإشراك اكبر عدد من العاطلين عن العمل للأنخراط في هذه المشاريع الاستراتيجية وحسنا فعلت مصر واستطاعت من حل أزمة السكن حيث منحت الرخص الاستثمارية لشركات رصينة أو شركات حكومية وشركات قطاع مشترك أو خاص وباعتها على المواطنين بأرخص الاسعار بالنقد أو الآجل ….
وللحديث بقية


