
تبدو الحكومة العراقية الجديدة وكأنها تحاول رسم ملامح توجه أكثر استقلالية، رغم الضغوط الشديدة من المحاور الخارجية. فبينما تهيمن الأحزاب التقليدية على المشهد الداخلي، تسعى بغداد الآن إلى تحقيق توازن دقيق بين العلاقات مع الولايات المتحدة وطهران. تحاول الحكومة أن تكون صوتاً وطنياً لا مجرد تابع لمحور، في ظل تدخلات إيرانية واضحة، خصوصاً عبر جماعات مسلحة وسياسية محلية. تواجه الحكومة ضغوطاً كبيرة للحفاظ على سيادتها، لكنها في الوقت ذاته لا تغلق الباب كلياً أمام واشنطن، خاصة في مجالات البنية التحتية والطاقة.
التحدي الكبير: التوازن بين المحاور
إن هدف الحكومة الاستراتيجي يتمثل في إعادة بناء قدرات الدولة من خلال تعزيز المؤسسات الأمنية والجهاز الإداري، بحيث تكون الدولة هي الساحِب الحقيقي لزمام السلطة وليس الأحزاب أو المليشيات. فالعراق يواجه أزمة سيادة كبيرة، وهي أزمة تتداخل فيها المصالح السياسية المحلية مع التدخلات الإقليمية والدولية، مما يجعل تشكيل الحكومة القادمة وتوجهاتها الخارجية أمرًا بالغ الأهمية.
ورغم الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها الحكومة من أطراف داخلية وخارجية، إلا أن بغداد تسعى لأن تكون شريكًا في صنع القرارات على الساحة الدولية وليس تابعًا لأحد. وهذا الطموح يشير إلى أن العراق يسعى لتحقيق التوازن الإيجابي في علاقاته الإقليمية والدولية، والابتعاد عن التبعية المطلقة لأي جهة خارجية.
تنويع التحالفات الإقليمية
في الوقت نفسه، تسعى الحكومة إلى تنويع تحالفاتها الإقليمية وتحويل العراق من ساحة صراع إلى لاعب إقليمي فاعل. وهذا يظهر بوضوح في توجهها نحو سياسة توازن إيجابي، تحاول من خلالها تحقيق مصالح وطنية بعيدًا عن التبعية المطلقة لأي جهة خارجية.
على صعيد الطاقة، تسعى بغداد إلى تقليل اعتمادها على الغاز الإيراني، ومحاولة تأمين بدائل دولية. لكن هذا المسار صعب بسبب العقوبات الأمريكية على إيران التي تعرقل بعض المشاريع. إلا أن هناك استعدادًا من قبل الحكومة لمواصلة الحوار مع الولايات المتحدة في مجالات الطاقة والبنية التحتية، مع السعي الدائم للحفاظ على السيادة الوطنية.
معالجة الاختناقات الداخلية: ضبط السلاح وتوحيد القرار
هناك إدراك لدى الحكومة الجديدة بأن الاستقرار الداخلي ضرورة لا غنى عنها لكي تتمكن من مواجهة الضغوط الخارجية. ولذلك، تركز الحكومة الجديدة على تقوية الدولة من الداخل، من خلال حصر السلاح بيد الدولة وإخضاع الفصائل المسلحة لقانون الدولة. لكن هذا التحدي يعد كبيرًا، خاصة أن بعض هذه الفصائل لها ارتباطات قوية بإيران، مما يجعل أي خطوة نحو ضبط السلاح محكومة بحسابات معقدة.
من جانب آخر، فإن الحكومة تدرك تمامًا أن الضغوط الداخلية على مؤسسات الدولة تجعل من الصعب تنفيذ خطط الإصلاح في ظل وجود مجموعات مسلحة قد تعرقل هذه الخطوات. هذا الوضع يشير إلى أن العراق لا يمكنه النجاح في تنفيذ مشاريعه الإصلاحية الاقتصادية والأمنية إلا إذا تمكن من بناء وحدة وطنية حقيقية، تُجمع القوى السياسية في بوتقة واحدة تعمل لمصلحة الشعب العراقي.
العلاقة مع الولايات المتحدة: شراكة لا تبعية
أما فيما يخص العلاقة مع الولايات المتحدة، فإن العراق يبدو مستعداً للتعاون الأمني والاقتصادي، لكن ليس ذلك على حساب سيادته. فالعراق يريد التعاون مع واشنطن في المجالات التي تخدم مصالحه الوطنية، خصوصًا في مجالات الأمن والطاقة والبنية التحتية، ولكن ليس من خلال إملاءات أو تدخلات تمس السيادة الوطنية. الحوار الاستراتيجي مع واشنطن مستمر، لكن بغداد تريد أن يكون هذا الحوار مبنياً على احترام متبادل وليس على استغلال يعيد العراق إلى موقع تابع.
التحديات القادمة: دور المبعوث الأمريكي سافايا
توجه الحكومة الجديدة يعبر عن طموح واضح لبناء دولة قوية ذات مؤسسات مستقلة، تسعى إلى تحقيق سيادتها واستعادة دورها الإقليمي. مع إدارة علاقاتها الخارجية بحذر شديد بحيث لا تغرق في لعبة المحاور. لكن التحديات كبيرة، فالعراق لا يزال في مرحلة انتقالية من حيث رسم علاقاته الدولية. في هذا السياق، سيكون للمبعوث الأمريكي مارك سافايا دور كبير في التأثير على السياسة العراقية في المستقبل، خصوصًا بعد ما أعلنه مؤخرًا عبر حسابه الخاص بأن العراق سيدخل مرحلة بداية جديدة.
السؤال الذي يطرحه الكثيرون الآن هو: هل سيستطيع العراق أن يحافظ على استقلاله في ظل هذه الضغوط والتدخلات، أم أن للآخرين رأي آخر؟


