هل تندلع حرب عالمية في ظل التكهنات والسيناريوهات المحتملة؟
لفي المعطيات الحالية ما يشير إلى اندلاع حرب تقليدية كاملة مباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكية بشكل رسمي ومفتوح على غرار حرب بين دولتين رئيسيتين. لكن هناك مؤشرات على احتمال تصاعد التوترات أو الدخول في مواجهة غير مباشرة عبر أطراف ثالثة.
الصراع الروسي الأوكراني بوصفه محور الأزمة
لتحليل الوضع يمكن القول إن روسيا تواصل السعي لتحقيق مكاسب في الصراع القائم مع أوكرانيا، مما يعزز وضعها التفاوضي تجاه الغرب بما فيه الولايات المتحدة. فموسكو ترى في استمرار الضغط العسكري وسيلة لإجبار واشنطن وبروكسل على الاعتراف بنفوذها في أوروبا الشرقية، بينما تحاول كييف الصمود بدعم عسكري واستخباراتي ضخم من الغرب، يجعلها قادرة على إبقاء المعركة مشتعلة وإن لم تحقق انتصارات حاسمة.
هذا الدعم لم يكن مجرد مساعدات مالية أو عسكرية، بل أصبح شكلًا من أشكال الحرب بالوكالة. فالمعركة الأوكرانية اليوم هي اختبار حقيقي لقدرة الغرب على استنزاف روسيا دون الانخراط المباشر في حربٍ كبرى، وهي في الوقت ذاته فرصة للولايات المتحدة لتثبيت قيادتها للتحالف الغربي بعد اهتزازها في ملفات الشرق الأوسط وأفغانستان.
حدود التورط الأمريكي ومخاوف التصعيد
من جهة أخرى تعتمد أوكرانيا بشكل كبير على الدعم الأميركي والغربي في السلاح والاستطلاع والمعلومات والاقدام على هجمات، وإذا ما تقلّص هذا الدعم فإن فرصها في مجابهة روسيا تتراجع بشكل حاد. أما الولايات المتحدة فحتى الآن تبدو حاكمة بخيارات التورّط المباشر أو غير المباشر، وتعمل عبر حلفائها وفرض العقوبات الاقتصادية والسياسية. ولا توجد مؤشرات واضحة على قرار أمريكي بخوض مواجهة عسكرية مباشرة واسعة النطاق مع روسيا في الأجل القريب، لأن واشنطن تدرك أن أي صدام مباشر قد يتحول إلى حرب نووية تخرج عن السيطرة.
الإدارة الأمريكية تراهن على الزمن، وعلى الإنهاك الاقتصادي الروسي، أكثر مما تراهن على الحسم العسكري. فالحصار الطويل، وتجميد الأصول، وعزل موسكو دبلوماسيًا، كلها أدوات ضغط تراها واشنطن أقل كلفة من الحرب المباشرة، لكنها أكثر فاعلية على المدى البعيد.
سيناريوهات محتملة وتوازنات جديدة
من كل هذا يمكن توقع أن المسار الأرجح هو استمرار الصراع الممدود بين روسيا وأوكرانيا مع ضغط أميركي وغربي وتجنّب التصعيد المباشر بين الولايات المتحدة وروسيا، مع احتمال بروز مواجهات محلية أو عبر وكلاء، أو حتى مواجهات نووية محدودة في السيناريوات الأكثر خطورة.
وفي حال استمرار هذه المعادلة دون انفراج، قد نشهد انقسامات أعمق في النظام الدولي، حيث تسعى الصين إلى توظيف هذا الصراع لصالحها عبر تعزيز تحالفها مع موسكو، في مقابل سياسة الاحتواء الأمريكية التي تحاول الحفاظ على تفوقها العسكري والتكنولوجي.
في السيناريوهات المتوقعة أيضاً أن روسيا قد تسعى إلى صفقة تفاوضية قبل نهاية عام 2026 لتجنّب الوقوع في تراجع استراتيجي أمام الولايات المتحدة والصين. فموسكو، رغم خطابها الصلب، تدرك أن استمرار الحرب سيستنزف قدراتها الاقتصادية، وأن التفاهم مع واشنطن — ولو بشكل غير معلن — قد يضمن لها مكاسب واقعية أفضل من صراع مفتوح بلا نهاية.
العراق في مرمى التوازنات الدولية
إذًا لا حرب مباشرة كاملة بين واشنطن وموسكو تبدو مرجحة في المدى القريب، لكن خطر الانزلاق أو الفعل المتبادل موجود، والمفتاح يكمن في مستوى الدعم الأميركي لأوكرانيا، وردّ فعل روسيا على ذلك، والحسابات الروسية الأميركية الصينية المتوازنة.
أما بالشأن المحلي والعراقي، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى لتقليص النفوذ الإيراني داخل العراق، خصوصًا قبيل فترة الانتخابات، وجعل البلاد خالية من جميع الفصائل المسلحة. وهذا المؤشر نستطيع أن نلمسه في أرض الواقع من خلال اختفاء مدوني الإطار وقياداتهم عن الظهور الإعلامي، بحيث أصبحت الولايات المتحدة هي من تتحكم فعليًا بزمام الأمور، خصوصًا في وقتٍ ينشغل فيه الجميع في سباق الانتخابات العراقية.
وقد انعكس هذا الهدوء الظاهري على المشهد الأمني، إذ باتت الفصائل أكثر حذرًا، مدركة أن أي خطأ محتمل قد يكلفها الكثير ويعرّض مصالحها ومصالح أحزابها إلى ضربة قاصمة. هنا تبرز معضلة جديدة: هل تتخذ هذه الفصائل الخيار الأمريكي الذي يضمن بقاءها ضمن اللعبة السياسية، أم تلتزم بالخيار الإيراني الذي وفر لها الغطاء والمناخ خلال العقدين الماضيين؟
خاتمة مفتوحة على كل الاحتمالات
جميع الخيارات مطروحة داخل العراق في حال وجود خطرٍ يهدد المصالح الأمريكية، لكن المؤكد أن المشهد الإقليمي والعالمي يتجه نحو مرحلة إعادة رسم الخرائط لا الحروب المباشرة. فالعالم اليوم يعيش على حافة “توازن رعب جديد” تحكمه المصالح والردع، أكثر مما تحكمه الجبهات المفتوحة.



