
يصبح الوعي طريقاً، والصدق منهجاً، والتربية هدفاً. فهو لا يكتفي بتلقين الدروس، بل يصوغ الأرواح ويهذب العقول، ويزرع في طلابه روح البحث والاكتشاف وحب الوطن واحترام الإنسان. يعلمهم أن الحياة ليست مجرد درجات وشهادات، بل مواقف وشجاعة ومسؤولية.
رسالة لا تُقاس بالراتب ولا بالوقت
حين يكون المعلم ركناً أساسياً، يكون قلبه مفتوحاً لكل طالب، يرى في كل وجه مستقبلاً مختلفاً، وفي كل عقل عالماً جديداً، وفي كل حلم بذرة أمل ينثرها بيديه ليحصدها الوطن في غده القادم. هو الذي لا يكل ولا يمل رغم التعب، لأن رسالته لا تنتهي مع جرس المدرسة، بل تمتد إلى كل بيت، وكل شارع، وكل زاوية من زوايا المجتمع. فالمعلم حين يكون رسولاً، يكون صوته ضمير الأمة، وفعله ميزانها، ووفاؤه عنوانها.
المعلم الحقيقي لا يعرف الإحباط، لأنه يدرك أن الأجيال التي يربيها اليوم هي التي ستصنع الغد. كل كلمة يزرعها في عقل تلميذ صغير، تتحول مع الزمن إلى فكرة تُبنى بها المدن وتُرسم بها السياسات وتُكتب بها القصائد. هو ليس مجرد ناقل معرفة، بل خالق وعي، ومهندس قيم، وحارس لضمير الوطن.
التعليم… معركة لا يُهزم فيها الصادقون
يضيء المعلم دروب الجاهلين بعلمه، ويغرس فيهم القيم النبيلة، يصنع جيلاً يعرف معنى الإخلاص، ويتقن معنى العطاء. حين يكون المعلم رسولاً ترتقي الأمم وتزدهر الأوطان، لأن التعليم هو المعركة الكبرى التي لا تخسر فيها الشعوب مادام في صفوفها معلمون مؤمنون برسالتهم، يعملون بصمت، ويزرعون بالحب، ويجنون بالمستقبل ثمرة جهدهم وعرقهم.
التاريخ كله يشهد أن الأمم التي احترمت معلميها تجاوزت أزماتها، وأن تلك التي همّشتهم ضاعت في فوضى الجهل والتبعية. فالمعلم هو أول جندي في معركة الوعي، وسلاحه الكلمة. هو من يقف في وجه الجهل كما يقف الجندي في وجه العدو، يواجه التخلف بالمعرفة، والانقسام بالثقافة، واليأس بالأمل.
حين يتحول المعلم إلى ظلٍّ باهت
لكن حينما يكون المعلم شبحاً يتسلط بسوطٍ غشاوته سوداء، يكون قد وضع جداراً لا يستطيع أحد هدمه، وهذأ صعب جدأ في وقتنا هذا. فالمعلم الذي يفقد روحه التربوية ويتعامل مع تلاميذه بعنفٍ أو قسوة، يزرع فيهم الخوف بدل الاحترام، ويهدم الثقة بدل أن يبنيها. إن الطالب الذي يخاف من معلمه لا يتعلم منه، بل يهرب منه إلى الجهل، لأن العلم لا ينبت في بيئة القهر، بل في تربة المحبة.
المعلم الحقّ يجب أن يكون أباً وأخاً وابناً في الوقت نفسه، يعرف كيف يحتوي طلابه لا كيف يرهقهم، كيف يفتح لهم أبواب المعرفة لا كيف يغلقها بالعقاب. هو شريك في بناء الشخصية قبل أن يكون ناقلاً للمعلومات، وصديق في رحلة التكوين العقلي والنفسي.
بناء العقول لا هدمها
المعلم يبني العقول لا يهدمها. هو من يُشعل شمعة في عقل كل طالب لتبدد ظلام الجهل، ومن يعلّمه أن الخطأ بداية التعلم لا نهايته. في زمنٍ تتغير فيه القيم وتتعقد فيه الحياة، تزداد مسؤولية المعلم، لأنه لم يعد مجرد موظفٍ حكومي، بل حامل رسالة إنسانية كبرى، تُقاس بعظمة أثرها لا بعدد ساعات دوامها.
لقد بات من الضروري اليوم أن يُعاد الاعتبار لمكانة المعلم في المجتمع، وأن تُمنح له البيئة التي تليق برسالته. فالمعلم الذي يعمل في ظل الاحترام والكرامة والعطاء، يصنع جيلاً أكثر وعيًا وإبداعًا، أما من يُحاصر بالإهمال والضغوط والرواتب الضئيلة، فلن يستطيع أن يمنح طلابه ما لا يملكه من طمأنينة.


